للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والآن نتصدى لبيان العقاب الذي ذكره الله سبحانه وتعالى، فقد قال سبحانه:

(أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ) هذه عقوبات أربع قد ذكرت كلها معطوفة بـ أو التي تفيد التخيير في الجملة، ولنتكلم في كل واحد منها بتفسير معناه اللغوي: التقتيل هو القتل، ولكنه ذكر بصيغة التضعيف، وهي تدل على الشدة في القتل، وذلك بعدم التجاوز عن الذين ارتكبوا ما يوجبه، وتفيد التكرار، أي أنه يقتل من يرتكبونها مهما يكن عددهم، فمن استحق القتل قتل ولو كانوا مائة قد قتلوا واحدا، ولأن التضعيف يفيد الاستمرار في التقتيل ما داموا قد استمروا في الجريمة، فكلما كان منهم قتل قتلوا، ولإثبات أنه لَا يقتل المقتول فقط، بل يقتل هو ومن يعاونه، ومن اتفق معه على جريمة من غير تفرقة بين مباشر، ومحرِّض وراض قد اتفق معهم على جريمة الخروج، و " التصليب " الصلب على مكان مرتفع يرى بعد القتل، وصيغة التضعيف تفيد التشديد في العقوبة، وإثبات أنه لَا هوادة فيها، ولا مناص منها، وتكرارها، واستمرارها، ويصلب الشخص ثلاثة أيام عبرة وردعا، وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف معناه أن لَا تكون اليد والرجل المقطوعتان من جانب واحد، بل تكونان من جانبين مختلفين، فإذا قطعت اليد اليمنى تقطع الرجل اليسرى، فمعنى من خلاف، أي من جانب خلاف الجانب الآخر، ومعنى قوله تعالى: (أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ). قال بعض الفقهاء: المراد نفيهم من الأرض التي اتفقوا فيها على الإجرام إلى أرض أخرى، ليتفرقوا، ولا يجتمعوا على ذلك الشر الذي ارتكبوه أو هموا بارتكابه، وفسر الإمام أبو حنيفة النفي بالحبس؛ لأن فيه إبعادا وتفريقا، وهو أمنع لتجمعهم، وأوغل في تفرقهم.

ذلك هو عقاب الدنيا، أما عقاب الآخرة، فهو العذاب العظيم؛ ولذلك قال تعالى: (ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

<<  <  ج: ص:  >  >>