للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يقتص، وفي حال العفو تجب الدية أو ما يتفقان عليه من المال عملا بقوله تعالى: (. . . فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخيه شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوف وَأَدَاءٌ إِلَيْه بِإِحْسَانٍ. . .)، وأثر التوبة قبل القدرة في هذه الجريمة أَنها كانت قَبلها حدا لا يقبل السقوط، وبعدها صارت قصاصا يقبل العفو من صاحبه، وإذا ارتكبوا ما يكون في أصله جريمة حد، كالسرقة، والزنى عند مالك، وتناول المخدرات والمسكرات واتخاذ أوكار في الكهوف والصحارى لنشرها وسلب أموال الناس في سبيلها، فإنه لاحد عند من يدخلها في الحرابة.

وإن ذلك يحتاج إلى بعض البيان.

فنقول: إن الفقهاء اتفقوا على أن السرقة تدخل في الحرابة فإذا سرقوا ثم تابوا، فإن الحد يسقط، ولكن يجب رد المال إلى صاحبه؛ لأن الحد يقبل السقوط بالتوبة، ولأن الله تعالى قد وعد بغفران ما ارتكبوا إذا تابوا فحق وعد الله وأما حق العبد فإنه لم يدخل في الوعد ابتداء، ولأن الحرابة وهي الجريمة الكبرى قد غفرت، فيغفر ما في أطوائها من حدود هي في ذاتها دونها.

وأما الحدود الأخرى من حدود المسكرات والمخدرات والقذف والزنى إذا ارتكبوها في أثناء حرابتهم، فهل تسقط؛ لقد قال الإمام مالك: الذي جعلها تدخل في ضمن أعمال المحاربين، ويعاقبون من أجلها، ويعدون محاربين، ولو قصروا عملهم على ارتكابها، كالعصابات التي تتجر في أعراض النساء، وتسمى في لغة العصر. (الاتجار في الرقيق الأبيض)، قال مالك فيها: إن التوبة تجبها، لأنها داخلة في الحرابة وهي حقوق الله تعالى، وقد وعد سبحانه بغفرانها إذا ارتكبوها وتابوا قبل القدرة عليهم، وهي حقه، وهو سبحانه غفور رحيم. وقال الشافعية: لَا تسقط؛ لأنها غير داخلة في الحرابة، والتوبة هنا تكون توبة خاصة بها، ولا تكون توبة الحرابة شاملة لها، فإن تابوا عنها توبة خاصة - والأصغر يدخل في الأكبر - بها قبلت ما عدا القذف، وقال أبو حنيفة: لَا تقبل عنها توبة ولو خاصة، وقال الحنابلة: تدخل التوبة عنها في ضمن التوبة عن الحرابة، لأنها أصغر منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>