ولا شك أن النفس إذا امتلأت بالتقوى ذلك الامتلاء، جانبها الهوى والحقد والحسد، وحب الاستعلاء الباطل، وصار صاحبها ممن ينطبق عليهم قول الله تعالى في أوصاف أهل الإيمان:(. . . لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا. . .).
(وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) هذه هي النقطة الثانية من الخط المستقيم الذي لَا عوج فيه، فالنقطة الأولى ملء القلب بذكر الله تعالى وخشيته، وجعلها دائما في إحساس برقابته، وإنه يترتب على إدراك هذا الجزء من الخط المستقيم الوصول إلى النقطة الثانية، وهي طلب ما يتوسل به إليه لنيل رضاه وإدراك حق طاعته، فالوسيلة: هي ما يتوسل بها إلى رضا الله تعالى، وهي طاعته راغبا فيها محبا لها قاصدا إليها، وزكى لذلك طلبها بقوله تعالى:(وَابْتَغُوا) أي اطلبوا رضاه وطاعته سبحانه طلب من يحبه ويبغيه لثواب، وتلك أعلى الدرجات، ومن دون ذلك له فضل كبير ما دام قد طلب رضا الله تعالى.
فالوسيلة على هذا هي الطاعة برغبة، ولقد قال في ذلك الأصفهاني: " الوسيلة التوصل إلى الشيء برغبة لتضمنها لمعنى الرغبة قال تعالى: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ). وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة، والواسل: الراغب إلى الله، وعلى هذا التفسير اللغوي القرآني يكون معنى الوسيلة: الطاعة والتقرب إلى الله تعالى وطلب مرضاته. وقد جاءت بهذا المعنى في آية أخرى هي قوله تعالى:(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ. . .). وعلى ذلك تكون النقطة الثانية من صراط الحق وخط الإيمان المستقيم هي الطاعة وطلب رضا الله تعالى وحده.
وهنا مسألة لفظية نشير إليها، وهي تقديم الجار والمجرور في قوله جل جلاله:(وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ).