الذميين في المعاملات المالية والزواجر الاجتماعية خاضعون للأحكام الشرعية، ولا يجيز الحاكم في الحكم بينهم بشرع الله تعالى؛ لأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، أما رعايا الدول الأخرى الذين يقيمون في ديارهم ويربطهم بالمسلمين الجوار وميثاق عدم الاعتداء، كما كان الشأن في يهود المدينة في أول أمرهم، قبل أن تظهر خيانتهم، ويضطر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى إجلائهم.
وهنا ملاحظة لفظية، وهي في قوله تعالى:(فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ).
لماذا كان التعبير بـ " إن " الدالة على الشك ولم يكن التعبير بـ " إذا " الدالة على التحقيق، مع أنهم جاءوا إليه فعلا؟ والجواب عن ذلك أن الشك كان بالنسبة لحالهم، فهم كانوا مترددين في التحاكم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم بعد الحكم لم ينفذوا، فحالهم حال شك ابتداء وحال شك انتهاء، وعدم إذعان في الحالين؛ لأن في قلوبهم، كما قال تعالى في أشباههم:(أَفِي قلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّه عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ. . .).
ولقد زعم بعض العلماء أن الحكم الشرعي كان هو التخيير عند تحاكم غير المسلمين ثم نسخ، وصار الحكم لازما، والحق أن التخيير لَا يزال قائما بالنسبة لغير المسلمين الذين يطلبون حكم الإسلام من الحاكم المسلم لينفذوه في ديارهم، والتخيير ليتعرف الحاكم حالهم، فيحكم حتما إن كانوا طلاب حق، وله أن يرفض إن كان في قلوبهم مرض، ولا ضرر من الإعراض، ولذلك قال سبحانه:(وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا).
وإنه في حال الإعراض يصاب أولئك الذين يريدون الحكم لهواهم لَا للحق في ذاف - بخيبة أمل قد تحرك فيهم عناصر الضغينة والمقاومة، وإشاعة قالة السوء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فبين الله سبحانه وتعالى في ذكره الحكيم أنه لَا تضره هذه الأفعال، وقد نفَى سبحانه وتعالى الضرر نفيا مؤكدا بـ " لن " " لبيان أنهم لَا طاقة عندهم في أن يضروه، وكان نفي الضرر في هذا المقام له مغزاه، لأنَّ احتكامهم إليه - صلى الله عليه وسلم - فيه نوع من المسالمة والإذعان في الظاهر لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو إعلان للتصديق،