معنى التزيين والتحسين؛ لأن الحبر هو الأثر الحسن ذو الرونق، ويكون المعنى الذين يجمعون العلم ويدرسونه ويزينونه بالقول الحسن والتطبيق الجيد، أو هو مأخوذ من الحبر مادة الكتابة لعنايتهم بتدوين علمهم وعرضه للناس، وإبقائه أثرا خالدا من بعدهم، والمفسرون على أن الربانيين والأحبار نوعان قد طبقوا حكم التوراة فالأولون صفت نفوسهم وربوها بالعلم والعبادة، والآخرون جمعوا العلم ورتبوه وعرضوه، وعلى هذا التفسير الذي يجعلهم نوعين متغايرين، نوجه القول فيه بأن الذين قاموا على التوراة صنفان: أحدهما - جمع علمها واستخرج ينابيعها، وأحاط بها، وآخرون طبقوها في الأقضية، أي أن الفقهاء وهم الأحبار قدموا خلاصة ما علموا نقيا محبرا تحبيرا جيدا، والآخرون وهم الربانيون طبقوه مجردين أنفسهم من كل شهوة وهوى، فالضعيف عندهم قوي، حتى يأخذوا الحق له والقوي منهم ضعيف حتى يأخذوا الحق منه، كما يفعل الربانيون من أمة محمد أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضي الله عنهم، وقدم الربانيون على الأحبار؛ لأنهم الذين يطبقون العلم على العمل، والمقام في الآية هو مقام التطبيق، فالعمل الواضح هو عمل الربانيين؛ لأنهم الذين يحكمون بحكم التوراة، وقد خص الله تعالى الفريقين بقوله تعالت كلماته:(بمَا اسْتُحْفطوا من كتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ).
" الباء " هنا متعلقة بـ " يحكم "، أي أن النبيين والربانيين والأحبار يحكمون بما في التوراة لأنهم حُمِّلوا أمانة حفظ كتاب الله، بحيث لَا يضيعونه، ولا يهملون أحكامه، وقد يقال إنها متعلقة بالربانيين والأحبار، على معنى أنهم أوتوا هاتين المنزلتين منزلة الربانية والعلم بسبب أنهم حملوا أمانة الكتابة وقاموا، و " استحفظوا " بالبناء للمجهول فيه بيان أنهم بمقتضى ما مُنحوا من صفات عهد إليهم أمر المحافظة على كتاب الله المنزل على نبيه، والمراد بكتاب الله هنا التوراة، وعبر عنها بكتاب الله تعالى للإشارة إلى منزلتها إبان نزولها قبل تحريفها، وإلى شرف من يقومون بحفظها، وإلى مكان التكليفات والأحكام التي اشتملت عليها، والاستحفاظ هو الحفظ المطلوب؛ إذ إن السين والتاء للطلب، والمعنى: أن الربانيين