للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والربانيون، الذين اقتفوا أثر النبيين ويكون معنى (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) لا تستبدلوا بأحكام آياتي، فتتركوها هاجرين لها معرضين عنها، في نظير رشوة أو ممالأة، فإن ما يكون ثمنا لترك الآيات قليل مهما يكن مقداره، ومهما يكن اعتباره، فآيات الله تعالى أغلى ما في الوجود؛ لأنها هدايته.

ولكن الخطاب " لا تخشوا "، و " اخشوا " ربما يكون أعلى من أن يكون لليهود الذين عاصروا النبي عليه الصلاة والسلام فقد وصفهم الله تعالى بأنهم سماعون للكذب أكَّالون للسحت، ولذلك أحيلُ إلى ما روي عن الحسن البصري من أن الخطاب للمؤمنين، فهم الجديرون بخشية الله تعالى، وهم الجديرون برفعة هذا الخطاب، وربما كان ما روي عن ابن مسعود من أن الخطاب عام للناس أجمعين هو الأسلم، وهو ما تدل عبارة صاحب الكشاف.

(وَمَن لَمْ يَحْكُم بمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) الإشارة في قوله تعالى: (فَأُولَئِكَ) للذين لَا يحَكمون بما أنزل الله، فهي إشارة تفيد أن النتيجة سببها الفعل، وهو تجنب حكم الله تعالى، وقد أكد سبحانه الحكم بالكفر عليهم بهذه الإشارة وبالجملة الاسمية، وبالفاصل (هم)؛ وبالقصر إذ هم مقصورون على الكفر، والكفر مقصور عليهم قصرا إضافيا، بمعنى أنهم بلغوا في الكفر أقصاه، حتى لَا يعد كفر غيرهم بجوار كفرهم شيئا مذكورا.

وهل يعد كل من يحكم بغير حكم الله تعالى الذي أنزله على رسله كافرا؟

يظهر لي أن الذي يحكم بغير حكم الله مستهينا به مستنكرا له، وقد يبلغ به الاستنكار درجة التهكم عليه يعد كافرا؛ لأن ذلك جحود وإنكار أو استهزاء بآيات الله إن كان يعلم أنها من عند الله تعالى، ويستنكر مؤداها، ومن جحد أحكام القرآن فقد كفر، وقد قال في ذلك عبد الله بن عباس: " من جحد حكم الله كفر، ومن لم يحكم به وهو مقر فهو ظالم فاسق " وبذلك يكون هذا النص واردا فيمن حكم بغير حكم الله تعالى منكرا. . اللهم املأ قلوب قومنا بالإيمان حتى يألفوا حكم الله، ويرتضوا كتابه حكما بينهم، ولا يجدوا حرجا في حكمه، إنك خير الحاكمين.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>