للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أذى، والمعنى هنا أن الجروح ذات قصاص أي يجري فيها القصاص بالمساواة بين الجريمة وعقوبتها على أن تكون من جنسها وفي الوضع الذي كان فيه الجرح، فإن تعذر التساوي فإنه تكون دية الجريمة ويعبر الفقهاء عن العويض بالأرش.

والتعزير مع هذا ثابت شفاء لغيظ المجني عليه، ومنعا لإهدار الدماء بالثارات، وتبادل الأذى.

والقصاص يجري في الجروح إذا أمكنت المساواة على ما أسلفنا، ومهما يكن فالقصاص متى أمكن، ولو بالتقارب أولى، فإن المساواة من كل الوجوه غير ممكنة، فإن الأجسام متفاوتة، وآثار الجروح فيها متفاوتة، والأذى فيها غير ثابت المقدار حتى يقاس بالأشبار.

ولا شك أن القصاص الممكن، والتعزير مع الأرش (١) إن لم يكن هو أقرب إلى العدالة، وإلى حقن الدماء، واحترام الأنفس والمحافظة على الكرامة الإنسانية والمساواة هو الأردع للجناة، فإن من يعرف أنه ستُشَج رأسه إذا شج رأس غيره لا يقدم على الأذى، بل يتردد، وأنه كلما كانت العقوبة من جنس الجريمة كان ذلك مع عدالته أشد زجرا وتأثيرا، وإنه من يوم أن تغيرت العقوبة عن الجريمة استهين بالأنفس والأطراف، وأهدرت الدماء.

وهناك أمر اختلف فيه الفقهاء: أيجري القصاص في الضرب، كما يجري في الجروح؟ الظاهر ذلك من روح الشريعة وما تومئ إليه نصوصها وهو ما كان يسير عليه السلف الصالح رضي الله عنهم، وقد قاله بعض الحنابلة والظاهرية،


(١) الأرْشَ: ما يؤخذ عوضا عن كسر أو جرح. روى البخاري: الصلح - الصلح في الدية (٢٧٠٣) عن أنس أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ، وَطَلَبُوا العَفْوَ، فَأَبَوْا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمْ بِالقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ: «يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ القِصَاصُ»، فَرَضِيَ القَوْمُ وَعَفَوْا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» زَادَ الفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، فَرَضِيَ القَوْمُ وَقَبِلُوا الأَرْشَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>