للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد حفظه بنصه وقراءاته، وطريق تلاوته، فالله سبحانه وتعالى هو الذي رتله ترتيلا، بتعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك كما قال تعالى: (وَقَالَ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا).

(فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) الفاء هنا للإفصاح؛ لأنها تومئ إلى شرط مقدر، والمعنى على هذا: إذا كان الكتاب قد أنزل إليك من لدن الله العلي القدير عالم غيب السماوات والأرض، وأنه يهيمن على الكتب السابقة ومحفوظ بحفظ الله تعالى إلى يوم الدين؛ فاحكم بين اليهود والنصارى ومن يعاصرونك من الناس بهذا الذي جاء به، لأنه نزل لتحكم به أنت ومن يتولى الحكم من بعدك، ولم يقل سبحانه وتعالى لتحكم به، بل ترك الضمير، وعبر بالموصول للإشارة إلى أن السبب الموجب للحكم أنه منزل من عند الله، إذ إن الموصول إذا كان في ضمن حكم تكون الصلة هي علة الحكم، والسبب فيه، وعلى ذلك يكون حكم القرآن وهو حكم الله تعالى الذي لَا يختلف باختلاف العصور، ولا يتغير بتغير الأوقات؛ لأنه شريعة الله الذي هو بكل شيء عليم، يعلم الناس وما يصلح لهم في ماضيهم وقابلهم، وهذا يفيد أن اليهود الذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن جاءوا بعدهم مخاطبون بشريعة القرآن، وأنه نسخ ما قبله من الشرائع، إلا ما جاء النص بوجوب العمل به كالقصاص، أو ما لم يثبت أنه نسخ، والمعول في الحالين هو القرآن وما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، ولقد روى أنه عليه السلام ذكر أن موسى لو كان حيا ما وسعه إلا الإيمان به عليه الصلاة والسلام. (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) الضمير في قوله تعالى: (أَهْواءَهُمْ) يعود إلى اليهود الذين تحاكموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأرادوا أن يحكموا بما لم ينزل من عند الله، مع أن الحكم عندهم في التوراة التي بأيديهم منصوص عليه، ولم ينسخه القرآن الكريم، وكان مما بقي وهو القصاص العادل.

وقوله تعالى: (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) فيه إشارات بيانية نتكلم فيها، وذكرها فيه بيان معنى النص الكريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>