للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأرض من زروع وثمرات، وفي اختلاف الأجواء، والإرادات الإنسانية ليتم التكليف، ويكون الاختبار.

وبيان ذلك أن الناس يختلفون أمما وعناصر، وقد توزعتهم أقاليم الأرض، فقوم تعالج قلوبهم الغليظة بما يفطمها عن شهواتها، ويجعلها في جادة الاعتدال، وأخرى تعالج بالتخفيف ليحيي موات النفوس فيها، وثالثة تعالج ببعض الحرمان، ورابعة بالاعتدال، وهكذا كانت الشرائع السابقة علاجا لأهواء النفوس التي تعامل معاملة المختبرة بتنازع الإرادات وسيطرة الأجواء، ومنازع الأهواء، ومضطرب الأحوال، فمن سلك الجادة وصل إلى الحق، ومن خالف كان له جزاء مخالفته، ولما جاءت رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومعها القرآن كان العقل البشرى في طريق الكمال، وكانت بكلياتها صالحة لكل زمان، وكان الابتلاء قائما في منازعة الهوى، ومغالبة النفس الأمارة بالسوء، والتي ألهمت فجورها وتقواها.

وإن الابتلاء في الماضي والحاضر بالتخالف في الطبائع، وتخالف جزئيات الشرائع، وبعد رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - كالتخالف في الإرادات والمنازع، وفي كل هذا الابتلاء، والنجاح في هذا الامتحان الفطري هو بطلب الخيرات؛ ولذا قال سبحانه: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ).

إذا كان الله سبحانه وتعالى يعامل الناس في الماضي والحاضر معاملة الذين يختبرهم وهو العليم بحالهم، ومآل أمورهم، وهم يشعرون بكمال اختيارهم، وأنهم يختارون، ويتخيرون، فإن عليهم أن يحسنوا الاختيار ويسرعوا إلى الخير.

واستبقوا في أصل معناها: التسابق، ولكن لتضمنه السبق والابتدار تعدى من غير إلى، كما في قوله تعالى: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ. . .). أي حاول كل واحد منهما الابتدار والوصول إلى الباب قبل الآخر، ومرمى النص أنه ليس لليهود أن يقولوا: نتبع شرعنا، بل عليهم أن يبتغوا الخير، ويسرعوا إليه، وهو في ذاته معلوم ببدائة العقول تدركه من غير عوج، وفوق ذلك فإن الدليل قد قام بما لَا يقبل الشك على رسالة محمد - عليه الصلاة والسلام - وهي الخير كله،

<<  <  ج: ص:  >  >>