للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المفعول على الفعل، وفي ذلك إشارة إلى أنهم بإعراضهم عن حكم القرآن لا يبتغون ولا يريدون إلا الحكم الجاهلي، أي أنه لَا يخضع الشخص إلا لأحد نوعين من الحكم حكم القرآن، والثاني حكم الجاهلية - وقد يقال: بينهما ثالث، وهو حكم العقل والقسطاس، ونقول: إن من يبني حكم العقل والقسطاس لا يمكن أن يتولى عن حكم القرآن، إنما يتولى عن حكم القرآن من يريد حكم الهوى والشهوة، وحكم العقل وحكم الشهوة نقيضان لَا يجتمعان.

والتأكيد الثاني لارتضائهم حكم الجاهلية - هو التعبير عن رضاهم عنه بقوله تعالى: (يَبْغُونَ)؛ لأن البغي هو الطلب بشدة تؤدي إلى الظلم.

وإنه لَا وسط بين حكم الجاهلية وحكم القرآن؛ لأن حكم القرآن هو العدل وهو النظام، وهو المساواة في الحقوق والواجبات، لَا يعفى من حكمه شريف، ولا حاكم، وليس فيه مَن ذاته مصونة لَا تُمس، بل الجميع أمام الله تعالى على سواء، وأما حكم غير القرآن ففيه التفاوت بالطبقات، وفيه السيطرة التي لا يسوغها منطق ولا عدل، ولا نظام، وفيه أكل أموال الناس بالباطل، كالربا، وسائر أنواع السحت، وقد قال بعض التابعين: من حكم بغير الله فهو حكم الجاهلية.

وقد جاء في التفسير الأثري لابن كثير المحدِّث والمؤرخ ما نصه:

" ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله تعالى المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء، والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، كما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذي وضع لهم " الياسق "، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية، والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله. . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>