للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يحبونه، وإن محبة الله تعالى للمؤمنين أعلى ما يصل إليه أهل الإيمان من نعمه، ومحبة المؤمنين لله أعلى درجات الطاعة والإيمان.

ومحبة الله تعالى لعباده التي تليق بذاته الكريمة المنزهة عن مشابهة الحوادث، هي أعلى درجات الرضا، فهي ليست الجزاء على النعيم وحده، ولا الغفران وحده، ولكنها مع الرضوان أكبر من ذلك، وقد قال تعالى في جزاء المؤمنين الخالصين لله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالدينَ فيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ منَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

وعندي أن مكافأة الله تعالى لعباده بفضل منه ثلاث مراتب: المرتبة الأولى - الغفران والنعيم المقيم، والمرتبة الثانية - رضاه سبحانه وتعالى، والمرتبة الثالثة - وهي أعلى درجات المحبة، وهي الرضوان الكامل، ومحبة الله حال تليق بذاته العلية.

هذه محبة الله تعالى، ومحبة العباد له سبحانه - الإحساس بتجاه النفس إلى الله تعالى، والشعور بأنه ملء نفسه وقلبه، وأنه لَا يدخل في قلبه شيء غير عظمة الله تعالى وجلاله، فلا يحس بأن في الوجود غيره، وأن تلك المحبة ثمرتها القريبة الدانية الطاعة المطلقة لله ولرسوله، فلا يكون محبا من يعصي حبيبه، ولذا قال الله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّه غَفُورٌ رحِيمٌ).

فالمحبة لله وطاعته، والقيام بالتكليفات الشرعية أمران متلازمان، فالطاعة لازمة للمحبة، وليس بصحيح ما يجري على ألسنة بعض مدعي التصوف، من أن المحبة لله إذا وصلت إلى أعلى درجاتها، سقط التكليف بالأعمال الظاهرة، بل إن المحبة البالغة تزيد الطاعة تثبيتا، وأحب خلق الله تعالى لله، وأكثرهم محبة له سبحانه هو محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما قصَّر في تكليفه قط، ولا يتصور منه ذلك، وقد طالبه الله تعالى بأكثر مما طالب به غيره، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>