للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المبحث الثاني من المباحث اللفظية - قوله تعالى:

(مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ) و (مِّنَ) هنا بيانية فيها بيان لأولئك الذين يستهزئون ويلعبون بدين الله دين الحق، وهم اليهود والنصارى، وعبر عنهم بـ " أوتوا الكتاب "؛ لأن أصل شرعهم ينتمي إلى كتاب منزل، وإن حرفوا فيه الكلم عن مواضعه وغيروا وبدلوا ونسوا حظا مما ذكروا به، وهم كفار، وليس كفر أعظم من كفر، إلا أن تكون بقية علم عندهم، وهي لا تجعل لهم مقاما أدنى في الكفر، ولو كانت تجعل في الإمكان التلاقي في بعض المعلومات الدينية التي لم يعبثوا بها.

وقد تكلم العلماء فقال الأكثرون: إن الكفار هم المشركون، وأطلق عليهم الكفار دون إطلاقه على أهل الكتاب، وقد علله بعضهم بأن كفرهم أشد، وعندي أنهم جميعا كفار، لقوله تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُئم الْبَيِّنَةُ) أالبينة]. وليس كفرهم أعظم من كفر أهل الكتاب؛ لأن كفرهم عن جهل، وكفر المشركين عن علم، ولا يمكن أن يكون الجهل عنصرا مشددا، والعلم عنصرا مخففا، ولكن ذكروا بوصف الكفار؛ لأنه لا وصف لهم غيره، إذ لم يؤتوا بكتاب.

على أننا نرى أن عطف الكفار على أهل الكتاب من باب عطف العام على الخاص، فكلمة كفار تشمل كل كافر بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، على أنه خص أهل الكتاب بالذكر، لأنه الموضوع من الأصل في عدم موالاة المؤمنين لليهود والنصارى، ثم عمم الحكم على الجميع ممن كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.

المبحث الثالث - في قوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

وكان الأمر بالتقوى في هذا المقام، للإشارة إلى أن ذلك هو الحصن الحصين الذي يغني عن طلب الأولياء، لأن معنى التقوى اتخاذ الله سبحانه وتعالى وقاية دون شر الأشرار إذ إن النصرة لَا تكون إلا منه، وهو المعاذ، والملجأ والناصر والولي، ولأن اجتلاء النفس بتقوى الله تعالى وخشيته تجعل كل قوى مهما تكن

<<  <  ج: ص:  >  >>