للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورأى أن أكثر استعمال القرآن الكريم لها للتحقيق، لَا للتقليل ولا للتكثيرِ، ولذلك يقول سبحانه: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ولا يَأتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا). ويقول تعالت كلماته: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّه لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ. . .). وواضح أن (قَدْ) في الماضي للتحقيق في قوله تعالى حكاية عن قول سيدنا المسيح يوم القيامة: (. . . قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ. . .). ألا ترى أن قد دخلت على علم الله تعالى وهو مؤكدا إذا حصل موضوعه.

و (قَدْ) هنا قال المفسرون للتقريب، أي أنها قربت الماضي من الحال القائمة، والجملة الماضوية لَا تكون حالا إلا إذا جاء معها قد، ليكون معنى التقريب قائما، وهو تقريب الحال القائمة من الماضي المستقر، والمعنى أنهم دخلوا كافرين، وخرجوا كافرين.

وأرى أن (قَدْ) هنا للتحقيق، وتأكيد المعنى، والباء للمصاحبة، والمعنى دخلوا مصاحبين لكفرهم المؤكد وخرجوا مصاحبين للكفر المؤكد، وقد تأكدت حالهم الأولى بالتعبير بقد، وتأكدت حالهم وهي الخروج بالكفر بقد وبهم، فكان تأكيد مصاحبتهم للكفر وهم خارجون أقوى من تأكيدها وهم داخلون، وهذا للإشارة إلى أنهم ما دخلوا بقلب سليم، بل دخلوا مخادعين منافقين، ودخولهم على هذه النية المحتسبة عليهم تزيدهم كفرا ونفاقا، لأنهم كلما لاح دليل زادهم عنتا، وزادهم كفرا على كفرهم، والتعبير بـ (هم) الدالة على القصر فيه إشارة إلى أنهم مقصورون في خروجهم على الكفر ليس لهم حال سواه، وذلك فضل تأكيد.

(وَاللَّه أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ) صدر الله سبحانه وتعالى النص الكريم بلفظ الجلالة لتربية المهابة، ولبيان أنه الناصر والولي الذي لَا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا في السماء، وأن تدبيره فوق كل تدبير، وعلمه فوق كل علم،

<<  <  ج: ص:  >  >>