ولكن ابن جرير الطبري فسر الإثم بالمعاصي، والعدوان بالتعدي، أو ما يتجه نحو ذلك.
والذي نراه أن الإثم كما هو الأصل اللغوي له في الجملة هو ما يبطئ عن الخير، والكذب إثم لأنه يبطئ عن فعل الخير، فالإثم هو ما عند اليهود من تباطؤ عن الخير، وعصيان للأوامر التي يكون في أدائها نفع الناس، والنص يبين أن هؤلاء يعملون أعمالا من شأنها أن تبطئ عن فعل الخير، ويعوقونه، وهم مع ذلك يعتدون على غيرهم، فهم محرومون من الخير سلبا وإيجابا لَا يفعلونه ويفعلون نقيضه، والله تعالى من ورائهم محيط.
وإنهم لفساد نفوسهم، واستيلاء الشر على قلوبهم فسدت مداركهم، حتى أنهم يحسبون أن ما يفعلونه من آثام وعدوان هو خيرا، وهو فساد في الأرض عظيم، ولذلك عبر سبحانه عن عملهم السوء في عجلة وتسرع من غير مواناة بالمسارعة مع أن أكثر استعمال المسارعة في الخير، كما قال تعالى:(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفرَةٍ مِّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةِ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ للْمُتَّقينَ).
وكما قال تعالى:(. . . وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ. . .).
وقوله:(نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ. . .). وذلك لأنهم يحسبونه خيرا فعبر عنه باللفظ الذي يدل على الخير، إذ إنهم لفساد قلوبهم يأثمون ويؤذون ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، وأوضح اعتداءاتهم على الناس أكلهم أموالهم بالباطل، ولذلك قال سبحانه عاطفا على سوء عملهم:(وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ).
السحت: ما يستأصل من قشور الأشياء، وسحته معناه استأصله، والسحت والإسحات الاستئصال، كما قال تعالى:(. . . فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ. . .).
وقد أطلق السحت على كل محظور؛ لأنه يستأصل أخذه كل علاقة اجتماعية تربط الناس بعضهم ببعض وتفسد أمورهم، كالربا، والرشوة، وأخذ الأموال بالغش والتزوير والنصب، والاحتكار الآثم الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: " المحتكر خاطئ " أي آثم.