وربطت على وسطه، فلا يستطيع تحريكها، وعبر باليد؛ لأنها هي التي يكون بها العطاء، ولقد قال تعالى:(وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩).
وليس المراد باليد الجارحة، بل الكناية عن المنع والإعطاء، وقد قال في ذلك الزمخشري:(غل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود) ومنه قوله تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كلَّ الْبَسْطِ). ولا يقصد من يتكلم به إثبات يد ولا غل ولا بسط حتى يستعمله في قليل لَا يعطي بيده عطاء قط، ولا يمنعه إلا بإشارته من غير استعمال يده وبسطها وقبضها، ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزيلا لقالوا: ما أبسط يده بالنوال؛ لأن بسط اليد وقبضها عبارتان وقعتا متعاقبتين، وقد استعملوه حيث لَا تصح اليد كقوله:
وقد فُسرت اليد المنسوبة لله تعالى بالمعنى المجازي المناسب في كل آية في القرآن الكريم على ما اختاره الغزالي وغيره، حتى أنه قال في قوله تعالى:(. . . يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ. . .). بالسلطان والقوة، كما يقال وضع الأمير يده على المدينة، ولو كان مقطوع اليدين، والكلام في هذه المسألة مشهور في كتب علم الكلام.
(غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) هذه الجملة معناها الدعاء عليهم، وهذا تعليم من الله لنا بأن ندعو على من فسدت قلوبهم، وذهب بهم الطمع والجشع إلى نسيان ما يجب لذات الله العلية، وما ينبغي، فقالوا كلمتهم التي قالوها، وهي تدل على استهانة بالحقائق وذات الله سبحانه، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، فعلمنا الله أن ندعو عليهم بغل اليد، وبالطرد وهو دعاء مستجاب ما داموا على هذا الحال من الأثرة المردية التي تنسيهم حقائق التدين والإيمان.
والدعاء عليهم بغل الأيدي معناه الدعاء عليهم بالشح المرير الذي يجعلهم مبغضين للناس، منحرفين عن طريقهم مطرودين من المجتمع، ويصح أن يفسر