للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (مَا أنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ).

(ما) فيه دالة على العموم، وهي بهذا العموم تدل على معنى (جميع)، أي بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك، أي لَا تخف شيئا ولا تكتم شيئا.

ولقد روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله تعالى بعثني برسالته فضقت بها ذرعا، وعرفت أن الناس يكذبونني، واليهود والنصارى وقريش يخوفونني، فلما أنزل الله هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ). زال الخوف " (١).

فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بلغ الشريعة كلها غير منقوصة، وما كتم شيئا، ولقد قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله تعالى عنها - وعن أبيها: من قال: إن محمدا كتم شيئا من رسالة الله تعالى فقد أعظم الفرية (٢)، ولقد قال عليه السلام: " تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله تعالى، وسنتي " (٣).

ولو كان قد ترك شيئا لمن بعده، لكان قد ترك تبليغ الرسالة، ولكن ذلك محال لقوله تعالى (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ).

أي إن لم تبلغ كل ما أنزل عليك فما بلغت الرسالة؛ ذلك لأن ترك بعض الرسالة ترك لها، فمن كلف تبليغ كتاب لواحد، فأسقط منه أسطرا لَا يعد قد بلغ الكتاب، ومن يؤمر بتبليغ كلام فيحذف بعضه لَا يعد قد بلغ الرسالة؛ لأن الرسالة فيما هو عند الناس كلٌّ لَا يقبل التجزئة، فكيف تقبل رسالة الله تعالى إلى خلقه، تجزئة فينقل بعضها، ويكتم بعضها، وقد عبر عن هذا المعنى الزمخشري في


(١) روى الحميدي (٨٨٨) ج ٢، ص ٣٩٠ عن عمه أبي الأحوص عوف ابن مالك الجشمي عن أبيه.
وفي مسند إسحاق بن راهوية (٤٣٩) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله أرسلني برسالة فضقت بها ذرعا، وعلمت أن الناس مكذبي فأوعدني أن أبلغها أو يعذبني ".
(٢) متفق عليه؛ رواه مسلم: الإيمان - معنى قول الله عز وجل: (ولقد رآه. .) (١٧٧)، والبخاري بنحوه: تفسير القرآن - (يا أيها الرسول. .) (٤٦١٢).
(٣) رواه الحاكم في المستدرك (٣٢٤) والبيهقي (٢٠٧٨٠)، والدارقطني (٤٥١١) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>