للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشرع ينكرون تبليغ النبي - عليه الصلاة والسلام - للرسالة كاملة، وذلك انحراف يؤدي إلى الكفر والعياذ بالله.

الأمر الثالث - في قوله تعالى: (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) فكيف يكون الشرط والجزاء في معنى واحد، لأن الشرط ظاهر معناه أنك إن لم تقم بالتبليغ كاملا صادعا بالحق، فما بلغت الرسالة أي أنك إن لم تبلغ فما بلغت، وجزاء الشرط يجب أن يكون معنى مترتبا على الشرط، وذلك يقتضي المغايرة بينهما، فلا يمكن أن يكونا شيئا، وظاهر النص أنهما شيء واحد.

وقد أجيب عن ذلك بجوابين:

الجواب الأول - أن المعنى أنك إن لم تقم باداء الرسالة كلها بأن تركت بعضها، فإنك تكون كمن ترك الرسالة كلها، وقد اعترض على ذلك الفخر الرازي بأن ترك بعض الرسالة لَا يمكن أن يكون كترك كلها، والجرم في ترك بعضها ليس كالجرم في تركها كلها، وإني أرى أن اعتراض الإمام فخر الدين الرازي غير وارد، لأن ترك جزء من الرسالة من غير تبليغ يكون تركا للرسالة ذاتها، ولذا عبر في الجزاء بقوله تعالت كلماته: (فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) أي إن لم تفعل بتبليغها كاملة فما أديت واجب التبليغ، وجرم الجزء كجرم الكل إذا كان يتعلق بالاعتقاد فمن أنكر بعض ما يجب الإيمان به يكون كمن ينكر كله إذ يكون ممن يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.

الجواب الثاني - أن يكون الكلام من قبيل بيان أن الشرط ذاته يكفي أن يكون فيه كمال التخلي عن التبليغ، والمعنى على هذا أنك لم تقم بالتبليغ فحسبك أنك تخليت عما يجب عليك أن تفعله، وهو عملك كرسول - وإن التبليغ يقتضي جهودا وبلاء، وتعرضا للأذى، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك، وبين أنه في حماية الله تعالى، وكفالته، ولذا قال سبحانه:

(وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) العصم: الإمساك، ويتضمن الإمساك الحماية، ومنع الأذى، وجاء في مفردات الأصفهاني: عصمة

<<  <  ج: ص:  >  >>