للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إحداهما - التعبير بقوله تعالى (لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ) بالتعبير بـ " على " بدل " الباء "، وذلك أن حالتهم كانت حال استعلاء على غيرهم فكان المناسب أن يعبر بحرف ألاستعلاء وهو " على "؛ لنفي ذلك الاستعلاء، والتعدية بالباء تفيد أن النفي منصبّ على ذواتهم، وإنما النفي منصب على استعلائهم.

الثانية - التعبير عن القرآن بما أنزل إليكم من ربكم، فلم يقل حتى تقيموا التوراة والإنجيل والقرآن - كان فيه تصريح بأنهم مخاطبون به، وأنهم ممن أنزل لأجلهم، وإلى ذلك يشير قوله - عليه الصلاة والسلام - " لو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا أن يؤمن بما جئت به " (١).

(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا) قد تكلمنا في معنى هذا النص الكريم، وما فيه من توكيد، وذكرنا أن القرآن المنصف لَا يحكم على الجميع بالشر، وفيهم أخيار، ولذلك كان حكمه على الكثرة لَا على القلة، وإن طغيانهم هو ظلمهم للحقائق، وإفراطهم فيما يطغون به على أهل الإيمان، وأشرنا إلى علة ذلك وهي حقدهم، وحسدهم، وأن النعمة تجيء إلى المحسود، فتزيد الحاسد حقدا وضغنا.

ولكن لِمَ كرر القول هنا وقد ذكر آنفا؟ والجواب عن ذلك أن كلام اليهود الذي حكاه الله تعالى عنهم كان في جنب الله مما يدل على إيغالهم في الكفر والإنكار، وأنهم حاقدون على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يزيدهم ما أنزل عليه إلا طغيانا وكفرا، أما هنا فقد جاءت عقب الأمر الجازم بوجوب التبليغ وتعميمه - بالنسبة للموضوع، وبالنسبة للأشخاص فيبين سبحانه لنبيه - عليه السلام - أنه مع التبليغ لا يرجو الإيمان: (. . . إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ. . .). ولذلك قال سبحانه بعد ذلك:

(فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) الأسى: الحزن، وحقيقته اتباع الفائت بالغم والألم، والمعنى لَا تأس على إصرار الكافرين على كفرهم، ونزول اللعنة والعذاب


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>