وقد أكد الله سبحانه في الآية الكريمة التي نتكلم في معانيها (أخذ)، باللام وبـ " قد "، وبإضافة الأخذ إليه فقال سبحانه:(لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ).
ومع أخذ الميثاق المؤكد، لم يتركهم هملا، بل أرسل إليهم الرسل من عنده ليؤكدوا الميثاق، ويبينوه ويعاونوهم على تنفيذه، وقد جاءت كلمة (رسُلًا) بالتنكير، وهو هنا للتكثير، أي أرسلنا إليهم رسلا كثيرة، ولم تكن نتيجة الميثاق وإرسال الرسل محمودة لهم، بل كانت منهم نكرا، ولذا قال سبحانه:
(كلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ) لقد كان الحكم الذي ارتضوا حكومته هواهم وشهواتهم، فما يوافق هواهم اتبعوه، وما لا يوافق هواهم ردوه، فاتخذوا بذلك إلههم هواهم وضلوا عن علم، ووقعوا في الشر، فلم يجعلوا العقل والميزان هو الحكم الذي يقبلون ما يقبله، ويردون ما يرده، وإنه ترتب على تحكيم الهوى وسيطرته عليهم أن كذبوا فريقا واكتفوا بالتكذيب، وأن قتلوا فريقا.
وهنا بعض مباحث لفظية تبين منها معنى النص الكريم:
أولها - عدم وجود جواب الشرط، وهو " كلما "، فقال الزمخشري: قام مقامه فريقا كذبوا وفريقا يقتلون، أو هو في الحقيقة جواب الشرط، لأن المعنى كلما جاءهم رسول بما لَا تهوى أنفسهم كذبوا فريقا وفريقا قتلوه، وبعضهم قال: إن الجواب محذوف تقديره، و " استكبرتم "، وأخذه من قوله تعالى في آية أخرى:(. . . أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧).
وإن الأوضح هو ما قرره الزمخشري؛ لأن قوله (فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ) تصلح جوابا، فلا حاجة إلى تقدير، وأما الآية الأخرى فقد جاءت الفاء في قوله: