للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولذلك رتب الله تعالى على حسبانهم ألا فتنة تنزل أن عموا عن إدراك الحق، فلم يصلوا إليه، وأن صموا عن سماع الهادي فلم ينصتوا إليه، وبذلك سدت عليهم منافذ الإدراك، فلا عقل يدركون به إذ غشيته الشهوات حتى أعمته وجعلت عليه غشاوة ولا وعي يستمعون به إلى صوت الهداية.

وقد نزلت بهم شدائد صقلت نفوسهم كالشدائد التي أنزلها التتار بهم، فاستيقظت مداركهم وسمعت الحق آذانهم، وجاء الأنبياء أمثال داود وسليمان فأنقذوهم، ولكن ما إن أحسوا ببحبوحة النعمة حتى استولت عليهم الشهوات فعموا وصموا ولكن كانت بقية صالحة، وهنا مباحث لفظية نذكرها، لأنها تقرب إلينا معنى النص الكريم.

الأول - أن قوله تعالى: (أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) بنصب النون في تكون، وقرئ بضمها (١)، والقراءة الأولى على أساس أن " حسب " بمعنى الظن الغالب، والثانية على أساس أن " حسب " بمعنى علم، والقراءتان متواترتان، وهما تنتهيان إلى أنهم ظنوا، ثم لغلبة الشهوات وسيطرتها تحول الظن إلى يقين أو كاليقين.

الثاني - أن معنى: (عَمُوا وَصَمُّوا) فيه تشبيه حالهم في غلف قلوبهم واستيلاء الشهوات عليهم وعدم إدراكهم الحق بأنفسهم وعدم استماعهم للداعية بحال الأعمى الذي لَا يبصر، ولا يستمع إلى من يدعوه ليسير في الطريق القويم.

الثالث - أن المفسرين أرادوا أن يفسروا متى كانت التوبة التي يسترشدون فيها ثم الصمم الذي يلي الرشاد وقالوا في ذلك أقوالا كثيرة، وعندي أن توبتهم بشديدة تنزل بهم، يخرجهم الله منها، ثم عودتهم إلى ما كانوا عليه متكررا.


(١) (ألا تكونُ) (بالرفع). قراءة أبو عمرو،، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف، والمفضل، ولكن قرأ عاصم والباقون بالنصب. غاية الاختصار - برقم (٨١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>