للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونعود إلى النص الكريم. أمر الله تعالى نبيه أن ينادي أهل الكتاب، ويخاطبهم بقوله: (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ)، والمعنى لَا تتجاوزوا الحد، وتشددوا في دينكم غلوا غير الحق، فكلمة غير الحق وصف لمحذوف، والوصف كاشف لأن الغلو دائما غير الحق عندهم، لأنه مجاوزة للحد، وكل مجاوزة للحد لا يمكن أن تكون حقا، وقد قال الزمخشري أن من الغلو ما هو حق، كالغلو في التنزيه، ومنها ما هو غير حق كالغلو الذي وقع فيه النصارى من الإفراط في تقديس عيسى وأمه، يصح أن يكون (غير الحق) منصوبا على أنه حال من الدين نفسه أي لَا تغلوا وتشددوا في التمسك بدينكم، وتمنعوا أنفسكم عن أن يدخلها النور حال أن دينكم هو غير الحق.

وفى الجملة النص لمنع تشدد النصارى واليهود في التمسك بدينهم غير الحق، والامتناع عن قبول الهداية التي جاءت إليهم، وهم في هذا التشدد يتبعون الأهواء، ولا يتبعون الحق، وهم مقلدون لمن ضلوا وأضلوا.

(وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ) الهوى معناه الميل إلى ما فيه شهوة ولذة، وخير الناس من كان هواه ولذته في طاعة الله تعالى، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روي في الصحاح: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " (١) ولكن كلمة الهوى لَا تكاد تستعمل في القرآن إلا في مقام الذم في الاتباع، جاء في تفسير فخر الدين الرازي ما نصه: قال الشعبي: ما ذكر الله تعالى لفظ الهوى في القرآن إلا ذمه قال تعالى: (. . . وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سبِيلِ اللَّهِ. . . .) (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى).

(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى). (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ. . .). وقال أبو عبيدة: لم نجد الهوى إلا في موضع الشر، لا يقال: فلان يهوى الخير، إنما يقال يريد الخير ويحبه. . وقيل سمي الهوى هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه في النار، وأنشد في ذم الهوى:


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>