للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والإطلاق الثاني لمعنى التناهي أن ينهى بعضهم بعضا إذا وقع المنكر فيهم وهو الظاهر، والتناهي عن المنكر يشتمل على ثلاثة معان كلها داخل فيه: أولها - أن يوجد فيهم ناه عن الشر يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، سواء أكان الناهي عددا كبيرا، أم كان عددا قليلا، فليست الكثرة مطلوبة، إنما المراد الوقوع منه.

ثانيها - أن يمنع الفعل قبل وقوعه أو يقلله بدفع الكثير منه.

ثالثها - أن يستنكره؛ لأن السكوت عنه رضا، وبذلك يدفع الاعتراض الذي أورده بعض المفسرين وهو كيف يتصور النهي عن الفعل بعده، فنقول: إن النهي عن المنكر بعد وقوعه إنما هو استنكاره، لأنه يمنع الفعل في المستقبل.

وقد نسب الفعل إليهم أجمعين إذ وقع من بعضهم، وسكت عنه سائرهم ولذا قال سبحانه: (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ). وقد أكد سبحانه وتعالى نسبة الفعل إليهم باللام والقسم المطوي، وذمهم ذما مؤكدا، فالفعل بئس يدل على الذم، والذم كان منصبا على الفعل رجاء إيمانهم، وقد روى ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من رضي عمل قوم فهو منهم، ومن كثر سواد قوم فهو منهم " (١).

والآية تدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوام الأمم، ولا صلاح لهم إلا إذا قاموا بحقه، فالأمم تصلح بالأمر بالمعروف، وتفسد بتركه، ولذلك اعتبره القرآن خاصة الأمة الإسلامية، وبه خيرها، قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ. . .).


(١) رواه الديلمي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. جامع الأحاديث (٢٢٩٦٩) ج ٧، ص ٣٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>