للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبحانه عن المشركين بـ " الذين أشركوا "؛ للإشارة إلى أن الشرك قريب الزوال منهم، وهو السبب، أما اليهود فالسبب هو الحقد وليس قريب الزوال، إذ استكنَّ في قلوبهم أن كل مخالف لهم في دينهم عدو لهم يحقدون عليه، ولأنهم كانوا يريدون أن تكون النبوة دائما فيهم لَا تخرج عنهم.

الأمر الثاني - أن العداوة مقابلة بالمودة، فالأمر ليس خلافا في الاعتقاد، بل هو المودة أو العداوة فليس لقرب الاعتقاد أو بعده أثر في العداوة، وعلى هذا كان اليهود أشد عداوة من النصارى، والنص يومئ إلى أنهم أكثر عداوة من الذين أشركوا بتقديم اليهود، لأن المودة لم تقطع من كل الوجوه بين النبي عليه السلام والمشركين من قريش، بل إن ما كان يفرقه الاعتقاد يقابله مودة الرحم، وإن كانت حروب.

الأمر الثالث - لماذا عبر عن النصارى بقوله تعالى: (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى).

وقد أجاب عن ذلك بعض المفسرين بأنه تشريف للنصارى، لأن عيسى - عليه السلام - عندما قال: (. . . مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّه قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّه. . .). فقوله تعالى: (الَّذِين قَالُواً إِنَّا نَصَارَى). تذكير بهذا الموقف الكريم في مقابل قول اليهود عندما دعاهم موسى إلى دخول الأرض المقدسة فقد قالوا: (. . . فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ). هذا كلام بعض المفسرين ولكن يلاحظ أن الذين قالوا نحن أنصار الله هم الحواريون، والذين كانت بينهم مودة المسلمين ليسوا هم أن أولئك هم الحواريون الذين سلمت عقيدتهم، أما الذين يتحدث عنهم فهم كانوا من أهل التثليث ثم تاب الله تعالى عليهم، ولقد ذكرهم بهذا العنوان: (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى). في مقام الذم، فقد قال تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ. . .).

ولأجل هذا لَا نقول إن التعبير بقالوا إنا النصارى فيه تشريف، إنما هو بيان أن هؤلاء يقولون أنهم نصارى، ولكنهم ليسوا نصارى عيسى - عليه السلام - وإن كانوا من بعد ذلك قد اهتدوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>