للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منهي عنه بقوله تعالى: (ولا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ). والرأي عندي أن يكون الأمر للإباحة المستحسنة؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " (١) وقد زكى سبحانه وتعالى الطلب الإباحي أو الندبي بأمور أربعة:

أولها - أنه جعله مما رزقه الله سبحانه وتعالى؛ وأن الله لَا يرزق إلا ما يكون في تناوله خير، ولقد كان بعض التابعين يحرم على نفسه الفالوذج، فرد الحسن ذلك بأن الله تعالى رزقه إذ قال رضي الله تبارك وتعالى عنه: " لعاب النحل بلباب البر مع سمن البقر هل يعيبه مسلم ".

الأمر الثاني - أن الله وصفه بأن يكون حلالا قد أحله الله تعالى ولم يحرمه، فإن إحلال الله تعالى نوع من ضيافته سبحانه وتعالى على رزقه، وأنى يسوغ لمؤمن أن يرفض ضيافة الله سبحانه وتعالى، فإذا رزقك الله ثوبا حسنا وأباحه لك؛ لأنه كسب طيب لَا خبث فيه، فاعلم أنه هدية الله تعالى أهداها إليك فإن اخترت خشن الثياب بدلا منه فقد رفضت هدية الله تعالى، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الكبر، وذكر أنه لَا يدخل الجنة متكبر، فقال بعض الصحابة: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنا، فهل هذا من التكبر، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس " (٢).

الأمر الثالث - أن الله تعالى وصف الرزق بأن يكون طيبا، والطيب يشمل وصفين أحدهما - أن يكون طريق كسبه طيبا، لَا خبث فيه، فقد يكون الشيء في


(١) رواه أحمد: باقي مسند المكثرين - مسند أبي هريرة (٨٠٥٤)، كما رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص: الأدب - ما جاء إن الله تعالى يحب أن يرى نعمته على عبده (٢٨١٩).
(٢) رواه مسلم: تحريم الكبر وبيانه (٩١) عن ابن مسعود رضي الله عنه. وبطر الحق: دفعه وإنكاره.
والغمط: الاحتقار والتعالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>