للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكون شيئًا واحدًا، ولو تجدد وتكرر، ولو كان أكثر من واحد، ولو كان طيبا، وإن الرجل المادي يسأم ما يقدم له كل يوم، ولو كان أشهى، وقالوا يائسين من أن يرضوا: لن نصبر على طعام، فأكدوا النفي بـ " لن "، ودلوا على تململهم بقولهم: " لن نصبر "، أي لن نستطيع أن نضبط أنفسنا فنحملها على الرضا بطعام واحد.

ورتبوا على نفيهم الصبر نفيا مؤكدا قولهم: (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِت الأَرْض مِنْ بَقْلِهَا)، الفاء فاء الإفصاح التي تفصح عن شرط مقدر دل عليه قولهم لن نصبر تقديره؛ فإذا كنا لَا نصبر، (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ) ومعناه اضرع إلى ربك الذي خلقك وربك لَا إلى أن يهدينا بل إلى أن يخرج لنا مما تنبت الأرض، وقوله " يخرج " في معنى جواب الأمر، أي إن تدع ربك فإنه يخرج لنا، فهم لتلهفهم على ما يأكلون افترضوا أن الدعاء قد وقع، وافترضوا أن إجابة الدعاء قد تمت، فقالوا هذا الكلام الدال على رغبتهم في الإجابة السريعة.

والبقل معروف، وهو كل نبات لَا ساق له غالبا كاللوبيا والفاصوليا ونحوهما كالفول، وفومها وهو الثوم وقيل القمح واللغة لَا تساعد ذلك، وعدسها وبصلها وهما معروفان، ولكن موسى عليه السلام لم يسارع بالدعوة التي طلبوها، ولم تكن الإجابة التي رغبوها لإشباع نهمتهم، بل ذاكرهم فيما يطلبون، وبين لهم أنهم يطلبون غير الحسن ويتركون الحسن، فقال لهم: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بَالَّذِي هو خَيْرٌ)، أي أتتركون الخيو، وتطلبون بدلا منه الذي هو أدنى منه هان كان من نعمة الله تعالى.

وعبر عن الذي طلبوه بأنه هو الذي أدنى في الرتبة والمنزلة الغذائية وأنه خلق كذلك، وإن كان نعمة في ذاته ولكن رتبته دون ما أنتم فيه، وعبر بقوله تعالى: (الَّذِي هُوَ أَدْنَى) أي أنه في ذاته دانٍ في رتبته ولا يعلو عنها ولا يصل إلى الذي هو خير في ذاته، وثابت على الخيوية؛ لَا يزيل صفة الخيوية ما تطلبون.

والأدنى معناه القريب، ولما كان القريب سهل التناول، والبعيد صعب التناول أطلق الأدنى على كل أمر يسهل الحصول عليه وفي العادة لَا يكون ذا منزلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>