وأما صدهما عن ذكر الله تعالى فلأن الخمر تميت النفس اللوامة، وتخدر الوجدان، وتربط الإنسان بأعلاق الأرض وتكون النفس الأمارة بالسوء، وتوجد في النفس انشراحا وهميا، وسرورا كاذبا، تجعله في لهو، واللهو وذكر الله نقيضان لَا يجتمعان، وكل لهو باطل إلا ما يكون تمهيدا للاستجابة لأمر الله تعالى ونهيه؛ وما يصد عن ذكر الله تعالى يصد عن الصلاة؛ لأنها ذكر لله تعالى، واستحضار لعظمته تعالت قدرته.
والميسر لَا يشغل عن الله وعن الصلاة فقط، بل يشغله عن أهله وعن أولاده، وعن عمله الذي يكتسب منه، بل عن ثيابه التي يكسو نفسه بها فهو غمرة طاغية لَا ينقذه منها إلا إطاعته أمر الله تعالى ونهيه.
(فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) الفاء هنا للإفصاح عن شرط مقدر، مؤاده إذا كنتم قد علمتم ما في الخمر والميسر من مضار وصوارف عن الله تعالى. وما يؤديان إليه من شحناء وبغضاء، وما يفسدان به الجماعات أفأنتم بعد ذلك منتهون عنهما تاركون لهما أم أنكم ما زلتم في غيكم تعمهون، سادرين عن أمر الله تعالى، فالاستفهام هنا للإنكار، ومؤاده: انتهوا عما أنتم فيه، ولقد أجاب الكثيرون من أصحاب رسول الله: انتهينا.
وفى التعبير بالانتهاء والأمر به إشارة إلى تمهيدات سابقة للتحريم، فقد استنكرها القرآن الكريم من أول نزوله، فلم يعتبرها رزقا حسنا، كما قال تعالى:(وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ والأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا. . .).
فجعل السكر وهو الخمر مقابلا للرزق الحسن، ثم جاء التحريم غير الحاسم في قوله تعالى:(يَسْألُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسَِْ)، والنتيجة تنتهي إلى التحريم لأن ما كثر ضرره وقل نفعه يكون حراما، ثم حرمت في أثناء النهار وطرفا من الليل، وذلك في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ. . .).