فالخبر في الإيمان وفي القلب لَا في ترك المباحات، وهذا يشير إلى أن الآيات حكمها عام، وهو كذلك، وإن كان لها سبب فالعبرة بعموم اللفظ.
والأكثرون من المفسرين على أن سبب نزولها أنه لَا نزل تحريم الخمر المشدد فيه، والتحذير منها، وقد كانت من قبل في مرتبة العفو، وقد كان هناك من المؤمنين من يشربها، حتى كان منهم من استشهد في الجهاد، وفي بطنه خمر فتساءل بعض المؤمنين عمن شربها ومات، وعمن كان يشربها من الأحياء، كما تساءل بعض الذين كانوا يصلون إلى بيت المقدس عن صلاتهم قبل تغيير القبلة إلى الكعبة، فنزلت هذه الآية:(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ). كما نزل هنالك قوله تعالى:(. . . وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رحِيمٌ).
وقد وصف الله سبحانه وتعالى الذين لَا جناح عليهم في شربهم في الماضي بأنهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وكلمة:" طعموا " معناها ذاقوا، وهي تطلق على المشروب، والمأكول، كما قال تعالى في شأن النهر الذي حرم القائد شربه:(. . . وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي. . .)، وقد ذكر سبحانه وتعالى بعد نفي الإثم قوله تعالى:(إِذَا مَا اتَّقَوْا وآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ). ففهم بعض الناس أن ذلك شرط لنفي الإثم، أي لَا إثم بالشرب مع التقوى وعمل الصالحات، ونقول في الجواب عن ذلك:
أولا - إن المراد بتقوى الله تعالى امتلاء القلب بخشيته، وقد ذكر سبحانه وتعالى في أوصاف الخمر والميسر أنهما يلقيان بالعداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله تعالى فإذا كان الإثم قد رفع عن التناول لأنه كان قبل التحريم، فهل يرفع الإثم عن العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة؛ إنه لَا تقوى مع التناول.
وثانيا - إن في هذا الشرط تحريضا على الإيمان وتقوى الله تعالى، والامتلاء بهيبته.