للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أى من عاد بعد تحريم الله للصيد فإن الله تعالى ينتقم، ونرى أن " الفاء " وقعت في جواب الشرط في غير ما سوغ فيه دخول الفاء، وأوَّلوا لذلك وقدروا محذوفا بجعل الجملة اسمية، وبعضهم جعل " من " اسما موصولا، والفاء تدخل في خبر الموصول، والحق أن القرآن فوق قواعد النحويين، وقد ورد دخول الفاء في شرط من، فقد قال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا).

وقواعد النحويين غالبة تلزم الناس، ولا تلزم القرآن. والعود هو تكرار قتل الصيد، وذلك يدل على الاستهانة بأمر الله ونهيه، فيستحق صاحبه النقمة، ونقمة الله تعالى أشد النقم، ولذا قال تعالى: (وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام) أي والله تعالى غالب فوق العباد، لَا يترك الأشرار يرتعون، فهو ذو انتقام كما أنه الرحيم، بل إن انتقامه من رحمته؛ لأن الرأفة بالأشرار ليست من الرحمة، ولذلك قال بعض العلماء: إن القاصد إلى الصيد معاندا لَا تقبل منه الكفارة، ويكون عذابه يوم القيامة لاستهانته بأمر الله ونهيه.

* * *

(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ... (٩٦)

* * *

في هذا النص الكريم نجد الله تعالى بين فيه ما حرم، وما حلل للمحرم، فأحل صيد البحر وطعام صيد البحر الذي يجوز أكله، وحرم عليهم صيد البر ما داموا محرمين مسستمرين على الإحرام، فالحلال في كل الأوقات والأماكن، والحرام في حال معينة محدودة فهو ذكر لنعمة الله تعالى وفيه إشارة إلى حكمته فيما حرم، وأباح سبحانه أن يصطاد الصائد من البحر، وأن يطعم منه، فأبيح الفعل والأكل لكم، والمتاع الانتفاع، ومعنى السيارة: المسافرون السائرون الذين لا يستقرون في مكان معلوم، فلكم أن تأكلوا لحما طريا من البحار لأنكم عابرو السبيل، والحرام فيما يتعلق بالبر حال الإحرام لكيلا تضيقوا على سكان مَن حول البيت الحرام. . وختم الله تعالى الآية بالأمر بالتقوى والتذكير بالاجتماع أمام الله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). وفي هذا تذكير بتقوى الله، حتى يعلموا أن الدنيا مهما يكن متاعها لها نهاية، وأن الإنسان محاسب على ما يتناول يوم

<<  <  ج: ص:  >  >>