للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخبيث، وهو حسي، وأدبي، والطيب ما يكون حسنا في ذاته وفي طريق كسبه، وترضاه النفوس المستقيمة والعقول المدركة، وتأتي الشرائع بإباحته.

وإذا كانت تلك هي القاعدة الإنسانية العالية، والعادلة، فإنه لَا بد من عقاب المسيء، وثواب المحسن، ولكن الباطل له لجاجة وفيه كثرة، لأنه مجاوبة للذائذ الشهوات، وما يستلذ يكثر، وما يطاوع الهوى يزيد، وما يكون فيه صبر وضبط نفس يقل، وإن كان طيبا، ومهما يكثر الشر لن يتساوى مع الخير، ولذا قال سبحانه: (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثرَةُ الْخَبِيثِ). أي ولو أثار نفسك وعجبك واسترعى نظرك كون الخبيث كثيرا، إن الشر مهما يكثر لَا يمكن أن يستحسن شرعا أو ترضى به الأخلاق، ولا يمكن أن ينقلب بالكثرة مساويا للخير بل إنه كلما كثر، وجبت مقاومته، بشدة وبمقدار كثرته، تكون شدة المقاومة، وذلك فرق ما بين شريعة الله تعالى وقوانين العباد، فإن قوانين العباد، تستمد قوتها من الكثرة، وعرف الناس، ولو كان فاسدا، أما شريعة الله، فهي للخير المحض، وإذا كثر الشر لَا تتبعه، بل تقاومه، ولا ترضى به، لأنها جاءت لنشر الخير، ولا يمكن أن ترضى، وإلا ما كانت رسالات الرسل، ولا جهاد الأنبياء والصديقين والشهداء الصالحين، ولذلك أمر سبحانه بمقاومة الشر مهما كثر، فقال تعالت كلماته: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) قال الله تعالى في الآية السابقة: (لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ). وأن هذه الجملة السامية تصلح الكبرى لقياس طويت صغراه، وهي مفهومة من قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ زَحِيمٌ). إذ الكلام يكون هكذا ولكلام الله تعالى المثل الأعلى الذي لا يصل إلى مثله البشر. . لَا مساواة بين الخير والشر، والله يعاقب على الشر، ويثيت على الخير، والنتيجة لهاتين المقدمتين، أن الأشرار سيعاقبون، والأخبار سيثابون لَا محالة، ولازم هذه النتيجة أن يحذر الناس فيرجوا ثواب الله ويخافوا عقابه، وذلك الحذر يكون بتقوى الله تعالى بامتلاء القلب بخشيته، والعمل على اتقاء عذابه؛ ولذا قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>