للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأب قبل التحريم، وقد أجيب عن كل هذا، عفا الله عما سلف، فالمعنى عفا الله عن هذه الأشياء قبل التحريم، وبهذا يتحقق معنى العفو، وهو رتبة بين المباح والمطلوب، وأن الأشياء التي كان مسكوتا عنها أمدا طال أو قصر في الإسلام ثم حرمت بعد ذلك لَا يمكن أن تكون مباحة، لأنه لَا تنطبق عليها حقيقة المباح " إذ إن حقيقة المباح أنه يكون متساوي الضرر والنفع بالنسبة للمتناول، ويرجح أحدهما التناول، أو الحاجات الشخصية، ولا يقال عن شيء حرمه الشارع تحريما قاطعا لَا شبهة فيه إنه متساوي النفع والضرر، وما دام لم يوجد ما يثبت طلب الكف عنه، فإنه يكون في فترة السكوت مع كونه ضارا قد عفا الله تعالى عنه.

(وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) هذا ختام ذلك النص، ختم بهذين الوصفين للذات الكريمة للإشارة إلى أن جعل هذه الأشياء القبيحة في ذاتها كالخمر والتبني وزواج امرأة الأب في موضع العفو، ما دام لم ينزل شرع بتحريمها لَا يكون إلا من غفور يغفر الذنوب، ولا يحاسب إلا أن يكون نذير يمنع وينذر بالعقاب، كما قال سبحانه: (. . . وَمَا كُنَّا معَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا).

وكان وصفه سبحانه وتعالى بالحلم، وهو فيما يتعلق بالعباد التأني وأخذ الأمور بالتؤدة والروية، وبالنسبة لله تعالى علم الحكيم الذي يقدر لكل وقت ما يقتضيه، وللناس ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم، فهو يؤخر التحريم، حتى تستأنس القلوب ويستمكن الإيمان، وهو لَا يأخذ بالهوادة ما يتعلق بأصل الإيمان كالتوحيد وترك الشرك، بل يبتدئ به من غير مواناة، ويقول لنبيه: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)، لأنه لب الدين، ليس فيه هوادة، ولا لأحد فيه إرادة.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>