للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأمر في هذه الحال الذي يموت فيها المورث يكون محل جهل إذ يموت في سفر، ولا طريق للعلم إلا عن طريق هذين الشاهدين اللذين لهما مع الشهادة صفة الوصية، والعثور يكون بمثل الاطلاع على شيء من ماله عندهما لم يكن قد جرى ذكره على لسانهما، ومعروف عند ورثته أنه كان يملكه، أو يظهر عليهما يسار مفاجئ ويتبين من قرائن الأحوال أنه كان من ماله، أو يظهر من كتب أرسلها المتوفى قبيل وفاته تدل على ما كان يملكه عند الوفاة، ولم يذكرا في شهادتهما وهكذا يكون العثور على شيء لم يكونوا يعلمونه.

ومعنى قوله تعالى استحقا إثما - أي أنهما خانا في الأمانة، فلم يقوما بحق الوصاية، وكذبا في الشهادة فلم يصدقا، وحلفا يمينا غموسا تغمس صاحبها في النار، فاستحقاقهما للإثمِ بسبب ذلك الكذب وتلك الخيانة، والحلف الكذب، وقوله تعالى: (اسْتَحَقَّا إِثْمًا) تتضمن كل هذه المعاني وغيرها، والإثم هو هذه المعاني كلها، والعثور على ما يتضمن ضياع حقوق الورثة، وذهاب أموالهم، وما قالوه فيه بخس لما يستحقون، وضياع لما يملكون، إذ قوله تعالى حين الوصية أي حين إخبار المتوفى بأمواله وإيصائهم بالمحافظة عليها، وتوزيعها بين مستحقيها وإذا كانت جناية هؤلاء على المستحقين للتركة، فالقول قول المستحقين يدلون به، ولذا قال سبحانه: (فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا). أي فشاهدان آخران يقومان في إحقاق الحق، وإظهار الحقيقة، وبيان ما خفي من إرادة المتوفى وأمواله وما له من حقوق وعليه من واجبات مقام الأولين، وهذا التعبير من ألطف التعابير بعد ظهور الإثم، إذ إنه ينبئ عن التعاون بين هؤلاء الآثمين، والأبرياء في إظهار الحق، إذ إن المجني عليهم يقومان مقام من جنوا.

وقد بين سبحانه مَن الذين يختار منهم الآخران اللذان يقومان، فقال سبحانه: (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ) في هذا النص السامي بيان من يختار منهم، وكيف يختاران، والضمير في قوله تعالى (اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ) يعود على الإثم المذكور في من استحقا إثما، وهو الفاعل؛ والمعنى أن الذي يكون منهم الآخران

<<  <  ج: ص:  >  >>