الله تعالى عليه أن يكفهم عنه، فقال تعالى:(وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). لا تزيد الحجة المتعنت إلا طغيانا وكفرا، وكلما قويت الحجة تحركت في نفسه عوامل الحسد والحقد، فأوجدت ضغنا فيطمس الله تعالى على بصيرته، فلا يدرك.
جاءهم عيسى - عليه السلام - بالبينات أي الحجج المبينة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فناوءوه العداوة، لأنه كانت لهم الرياسة الدينية، وهذه الحجج إن اتبعوا ما توجبه حسبوا أن الرياسة تذهب منهم، فقاوموها، ولا يمكن أن يقاوم صاحب الحق إلا بالباطل، ولا يمكن أن يقاوَم صاحب الحجة والبرهان الساطع إلا بالباطل، لذلك قاوموا بطرق ثلاثة كلها شر، حاربوه بتأليب الناس ودعوة أتباعهم إلى الإعراض عنه، وحاربوه ثانيا بالأذى ينزلونه به، والتحريض عليه، والائتمار به، ولكن دعوته كانت تنفذ إلى القلوب من غير حجاب، وذلك لأن الله كف عنه أذاهم، ولما يئسوا منه خلصوا إلى الطريق القاتل، وهو الدس عند ذوي السلطان، وكانت نعمة من الله تعالى عليه أعظم وأوضح، فقد نجاه الله تعالى من أيديهم، كما قال تعالى:(وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ولَكِن شُبّة لَهُمْ. . .). وقوله تعالى:(ومَا قَتَلُوهُ يَقِينًأث بَل رَّفَعَة اللَّهَ إِلَيْهِ. . .).
كف الله تعالى الأذى عن سيدنا عيسى - عليه الصلاة والسلام - وقد كفروا مع ظهور هذه الآيات الباهرة التي فيها البرهان القاطع الذي لَا يقبل جدلا، أشار الله تعالى إلى ما اتخذوه من تعلات بقوله تعالت كلماته:(فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُّبِينٌ).
أي إذا كانت هذه البينات ظاهرة، فهي لَا ترفع اللجاجة من الذين كفروا وجحدوا، لأن الذين يكفرون بالحق عندما يجيئهم يسارعون بالكفر، ثم يحاولون أن يوجدوا ما يبرر كفرهم، كشأن كل من يحكم بالباطل يسارع إليه، لأنه غاية