للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد ذكر سبحانه وتعالى مضمون الميثاق إجمالا، فقال خذوا ما آتيناكم بقوة، أي بجد وإتقان، وتعرف، وعناية، (وَاذْكُرُوا مَا فيهِ)، أي اجعلوه في ذاكرتكم دائما لَا تغفلون عنه، ولا تهملونه، واجعلوه حاضرا دائما في قلوبكم لتعملوا به، ويكون في وعيكم دائما، ولقد ذكر بعض ما في هذا الميثاق بالتفصيل فقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣).

هذا هو بعض التفصيل لهذا الميثاق المحكم الذي واثقه الله عليهم مؤكدًا ذلك التوثيق برفع الجبل فوقهم كأنه ظلة يظلهم، وطالبهم بأن يأخذوا ما آتاهم الله تعالى من تكليفات ذكرنا بعضها، بقوة، أي بيقين وجزم وتصديق وإذعان، وأن يقرن ذلك بالعمل، فلا تأخذونه بيد، وتردونه باليد الأخرى، واذكروا ما فيه، أي اجعلوه دائما في وعيكم وذاكرتكم وقلوبكم، ولا تنسوه.

وإن ذكر الشريعة وأحكامها هو أساس تنفيذها، وإن المسلمين اليوم قد عراهم ما أصاب في ماضيهم، يحفظون القرآن ولا يعونه، ويرددون حروفه، ولا يتدبرونه، ولقد روى مالك في موطئه عن ابن مسعود أنه قال: (سيأتي على الناس - زمان قليل فقهاؤه، كثير قراؤه، تحفظ فيه حروف القرآن، وتضيع حدوده، كثير من يسأل، قليل من يعطي يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون الصلاة يُبَدُّون فيه أهواءهم قبل أعمالهم) (١). أي يتبعون أهواءهم ويتركون ما افترض عليهم.

كانت هذه الأوامر التي واثقهم الله تعالى عليها، وأمرهم أن يذكروها دائما لأجل أن يتقوا الله تعالى أي يجعلونها وقاية لهم من ذنوبهم، أو رجاء أن تمتلئ


(١) عن عَبْد اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ لِإِنْسَانٍ: «إِنَّكَ فِي زَمَانٍ كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ، قَلِيلٌ قُرَّاؤُهُ، تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ، وَتُضَيَّعُ حُرُوفُهُ. قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ. كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي. يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ، وَيَقْصُرُونَ الْخُطْبَةَ يُبَدُّونَ. أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ، وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ، كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ، يُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُدُودُهُ. كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ، قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ، وَيَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ. يُبَدُّونَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ». أَموطا مالك: كتاب النداء للصلاة (٣٧٩)].

<<  <  ج: ص:  >  >>