للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاطر السماوات والأرض، حتى أتاني أعرابيان يختصمان إلى في بئر، فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها - أي ابتدأ - بشقها).

ونقول: إنه ليس بمعقول أن يكون ابن عباس جاهلا بالمعنى المفهوم من السياق، ولكن لعله كان لَا يعلم أصلها في اللغة، وكيف كانوا يستعملونها؛ حتى التقى بالأعرابيين، فوضح لديه أصل الاستعمال.

وفطر السماوات والأرض يوجب أن تكون الولاية لله وحده؛ لأنه الخالق لهذا الوجود والذين يشركونهن معه، لَا يملكن لأنفسهن ضرا ولا نفعا، فكيف نتصور ولاية لهن بجوار ولاية الله الخالق المنشئ.

الأمر الثاني - أن الله لَا يحتاج، وغيره يحتاج، فهو يُطْعِم كل من في هذا الوجود، ويمده بأسباب الحياة والنماء ولا يطعمه أحد، وهذا على قراءة (وَلا يُطْعَمُ) بالبناء للمجهول، وهناك قراءة بالبناء للمعلوم، والمعنى فيها أنه يطعم من يشاء بالرزق الموفور، ولا يطعم من يشاء بالتقتير عليه في الرزق.

(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكونَ أَؤَلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَن مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

كما أمر الله تعالى نبيه بأن يستنكر أن يتخذ غير الله وليا، وهو الذي أبدع ذلك الوجود، وكل ما فيه يحتاج إليه، وهو لَا يحتاج إلى أحد، وكنى عن هذا الاحتياج بإطعام غيره إذ أشد الحاجة تكون إلى الطعام، بعد هذا أمر الله تعالى نبيه بأن يقول إنه امر أن يكون أول من أسلم، وفي ذلك بيان أن الإسلام مطلوب من الجميع وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أول من يُؤمر بالإذعان لله تعالى والخضوع له، وفي بيان أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك مع أنه بالبداهة أول من خوطب بالإسلام، وأمر بما اشتمل عليه، كان أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ ليكون أسوة حسنة لهم، كما قال سبحانه: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. . .). ولأن الاقتداء دعوة حسية، ولأن في الإنسان نزوعا إلى التقليد، واتباع المهتدين، والتعبير بقوله تعالى: (أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) تعبير بالحال الواقعة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، بأن يكون في

<<  <  ج: ص:  >  >>