ما تركنا شيئًا لم يحص في الكتاب أي في المكتوب المسجل بعلم الله وهو اللوح المحفوظ، فالكتاب هو اللوح المحفوظ، وقد ذكر ذلك صراحة في آية أخرى:(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦).
أي مفصح ذاكر لأسمائها وأعدادها وأنواعها. وهذا أوضح تفسير لمعنى (مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِن شيءٍ) وقال بعض المفسرين: الكتاب هو القرآن ومعنى التفريط أنه لم يغادر شيئا من الأحكام إلا بينه. وأسرف آخرون فقالوا: إن القرآن ما ترك علم شيء قط من الشرائع أو غيرها من الأشياء والأحياء.
والأبين هو ما ذكرناه أولا - لأنه المتفق مع النصوص الأخرى، وثانيًا لأنه المناسب لذكر الأحياء. ولقد ذكر الله تعالى من بعد ذلك أن كل الأحياء يحشرون إلى ربهم، فقال تعالت كلماته:(ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) أي يجمعون إلى ربهم الذي خلقهم من عدم، والتعبير بـ " ثم " للإشارة إلى أنهم أعداد لَا تحصى في علمنا، وجمعهم ليس يسيرًا في ذاته، وإن كان بالنسبة لله تعالى أمرًا ميسرًا، وفيه أيضًا بيان لبعد الموت عن البعث والقيامة، وإشارة لاستغراقهم جميعا.