صم وبكم، فالكلام فيه استعارة تمثيلية إذ شبهت حال الجاحدين الذين يعرضون عن كل آية بحال الصم البكم الذين يعيشون في الظلام من حيث لَا نور يهديهم، ولا سبيل لأن يهتدوا.
وقد بين سبحانه وتعالى أن ذلك بعلم الله تعالى وإرادته، وأنه لَا تخرج حركة عن حركة إلا بإذنه فهدايته المهتدين بمشيئته، وضلال الضالين بمشيئته، فلا يخرج شيء في الوجود من غير مشيئته، ومعنى (مَن يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ) أي مَن يَشَأ الله تعالى له أن يكون في ضلال يضلله بأن يجعله يسير في طريق غوايته، فيعرض عن الآيات ويصاب بستار يحول بينه وبين الحق من ذات نفسه لَا من أمر خارج عنه، بل باختياره الغواية فيتركه الله يسير في طريقه الذي رسمه لنفسه، ومن يشأ الله تعالى له الهداية يسير في طريق مستقيم يوصله إلى الحق والهداية.
وهنا أمر نشير إليه، هو أن الهداية والضلال ليسا إجباريين لَا اختيار للعبد فيهما، كما يقول الجهمية ومن يسيرون في طريقهم، وليسا للعبد من كل الوجوه، كما يقول المعتزلة، ومن يسيرون في فجهم، وإنما الأمر أن للعبد اختيارًا في الطريق الذي يسيره، والله تعالى يوفقه فيه، فإن كان خيرًا خطا فيه إلى الغاية، وإن كان شرَا سار حتى الهاوية.