عواقب. وكانوا بتلك القسوة وتزيين السوء ناسين لما ذكروا به. فقد ذكروا بالبأساء والضراء وبسبب قسوة قلوبهم تركوا ما ذكروا به والنسيان هنا ليس هو مجرد الترك، إنما هو نسيان آثار الضراء والبأساء، فإن الضراء والبأساء لكي تنتجا آثارهما الحقيقية من الضراعة يجب أن تتركا آثارًا في القلوب تكون مذكرة بانتظام دائم لهما ولكن القسوة والغرور، والعجب والاستكبار محت تلك الآثار المذكرة فكان النسيان، وعاد الاغترار والاستكبار.
والله تعالى في هذه الحال التي أصابهم فيها النسيان يقول:(فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) أي أن الرزق وأسباب القوة والاغترار والاستكبار تأتيهم وتسهل لهم، فكانوا في سعة في كل شيء، وقوله هذا:(فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كلِّ شَيْءٍ) فيه استعارة تمثيلية لمعنى تسهيل كل شيء حتى يكونوا في بحبوحة وسعادة مادية وعدم خوف، واطمئنان إلى المستقبل، أو نقول إن النص القرآني كناية عن هذا المعنى، لأنَّ من يفتح له باب كل شيء، يكون لَا محالة في سعة مادية واطمئنان مادي.
وهذا المعنى فيه اختبار للنفس غير المؤمنة بالنعمة بعد أن اختبرها بالنقمة.
وإن هذا الذي ذكره النص القرآني بالنعمة بعد النقمة هو اختبار شديد؛ ولذا روى عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج. ثم تلا قوله تعالى:(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ). وروى عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا أراد الله تعالى بقوم بقاء أو نماء رزقهم فتح باب القصد والعفاف، وإذا أراد بقوم اقتطاعا فتح باب الخيانة ".