ولذلك قال سبحانه:(وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم) أي وضع غشاوة على قلوبهم، فتصبح كالشيء المختوم لَا ينفذ إليه شيء من الإدراك، وذلك بلا ريب هو أعلى دقة في التعبير تليق بمقام القرآن الكريم في البيان الذي لَا يصل إليه أحد من البشر، والتعبير بقوله تعالى:(أَرَأَيْتُمْ) الاستفهام فيه للتنبيه، كأنه سبحانه وتعالت كلماته يقول أرأيتم. أي إن لم تكونوا قد رأيتم ذلك فَرُوه وعوه، وأدركوا ما وراء ما يدل عليه.
وقوله تعالى:(مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ) الاستفهام فيه لإنكار الوقوع الثابت بالدليل الذي لَا مجال لإنكاره، والضمير في (به) يعود إلى المأخوذ، وهو السمع والبصر والفؤاد، وقام الأخذ والختم مقامه من قبيل قيام السبب مقام المسبب، و (يأتيكم) معناه برده عليكم، وعبر سبحانه بـ (يأتي) للإشارة إلى أنه يكون كالجديد، والنص يشير إلى أنهم وحواسهم في يد الله سبحانه وتعالى، ويشير إلى أمر آخر، وهو أنه تعالى قادر على إعادة السمع والبصر والإدراك، وهي أجزاء جسمكم المدركة المصرفة، أفلا يكون قادرا على إعادتكم في البعث كما بدأكم أول مرة، إنكم ترون من يذهب سمعه كان في أذنيه وقرا ثم يسمع، ومن يذهب بصره ثم يبصر بعمل الله، ومن يصاب بجنة ثم يفيق، وكل ذلك من الله تعالى، إن ذلك محسوس، فلماذا لَا يقيسون عليها عودة الأجسام بعد بلاها كما بداكم تعودون.
(انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - لبيان حال المشركين، وأنهم لَا تؤثر الحجة فيهم مهما تكن واضحة نيرة ملزمة، والتصريف: التغيير، وهو يكون في ذات الآيات يتعددها من آية كونية إلى آية قرآنية، فالتعدد صورها، فتعدد في صور الآيات الكونية من عواصف عاتية إلى مطر صاخب إلى خسف للديار، ومن آيات قرآنية زاجرة ضاربة للأمثال مبينة للمثلات، إلى تذكير بقدرة الله تعالى فيما تحيط بهم، وتذكير بأنفسهم، ومع هذا التصريف المتتابع، والآيات الواضحة المنوعة تجدهم صادفين، ولذا قال تعالى:(ثمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) أي