للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يرهب الغيب وما فيه؛ لأنه يَعْمَه في غيه، وهم في غفلتهم ساهون، وهؤلاء لا يجدي فيهم النذير، وهم الذين ختم الله على قلوبهم، وعلى سمعهم وأبصارهم غشاوة، وقد ذكر الزمخشري أن الذين يخافون أن يحشروا منهم المسلمون الذين يؤمنون بالبعث والنشور، ولكن تتقاصر أعمالهم، فيجديهم النذير، ومنهم أهل الكتاب الذين لم يفسدهم الغرور، ومنهم بعض المشركين الذين لم يطمس على قلوبهم، بل لَا يزال في قلوبهم نافذة ينفذ منها الندم، فإن علموا بالحشر خافوه فآمنوا، ومن المشركين من يؤمنون بالحشر، ولكن يظنون أن الشركاء الذين يبتدعونهم يشفعون لهم، فإذا أعلموا الحق فيه اتبعوه، وما ذكرناه في تقسيمنا يعم هذه الأنواع وغيرها.

والضمير في به يعود إلى ما أوحى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو القرآن الكريم، وقد ذكرنا ضروب الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم، ويلاحظ بعض أمور:

أولها - أن الإنذار للجميع فلا يختص الذين يخافون دون غيرهم، ولكن الذين ينتفعون به هم الذين يخافون الحشر، وما وراءه من حساب وعقاب.

ثانيها - أن العنصر المميز بين أهل الخير وغيرهم هو الخوف والخشية من الله فأولئك يكون فيهم رأفة، ومع الرأفة يتفتح القلب للهداية، ويدخله النور، ومع الغلظة يكون الظلام، وكأن الغلظة حجارة قوية تجعل ما وراءها في ظلام دامس.

ثالثها - أن الغرور باعتقاد شفيع يشفع أو ولي يناصر من دون الله تعالى يسدُّ مسالك النور والهداية، فلا بد أن يكون كل الإحساس لله سبحانه وتعالى.

رابعها - أن الإنذار في هذه الحال يجعل للتقوى مكانا، فيكون الرجاء فيها، وهو من العبد لَا من الرب، ولذا قال: (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>