للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأخبره فقال: " يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك " فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لَا، يغفر الله لك يا أخي (١)؛ فهذا دليل على رفعة منازلهم وحرمتهم كما بيناه في معنى الآية. ويستفاد من هذا احترام الصالحين واجتناب ما يغضبهم أو يؤذيهم؛ فإن في ذلك غضب الله، أي حللو عقابه بمن آذي أحدا من أوليائه. وقال ابن عباس: نزلت الآية في أبي بكر وعمر وعثمان وعلى - رضي الله عنهم - وقال الفُضَيل بن عِيَاض: جاء قوم من المسلمين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إنا قد أصبنا من الذنوب فاستغفر لنا فأعرض عنهم؛ فنزلت الآية. وروي عن أنس بن مالك مثله سواء.

قوله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي أوجب ذلك بخبره الصدق، ووعده الحق، فخوطب العباد على ما يعرفونه من أنه من كتب شيئا فقد أوجبه على نفسه. وقيل: كتب ذلك في اللوح المحفوظ (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَة) أي خطيئة من غير قصد. قال مجاهد: لَا يعلم حلالا من حرام ومن جهالته ركب الأمر، فكل من عملِ خطيئة فهو بها جاهل. وقيل: من آثر العاجل على الآخرة فهو الجاهلِ. (فَأَنَّهُ غفُورٌ رحِيم) قرأ بفتح (أنَّ) من " فأنَّهُ " ابن عامر وعاصم، وكذلك (أَنَّهُ منْ عَمِلَ). وقرأ الباقون بالكسر فيهما (٢)؛ فمن كسر فعلى الاستئناف، والجملة مفسرة للترجمة؛ و " إنَّ " إذا دخلت على الجمل كُسِرت وحكم ما بعد الفاء الابتداء والاستئناف فكُسِرت لذلك. ومن فتحهما فالأولى في موضع نصب على البدل من الرحمة، بدل الشيء من الشيء وهو هو فأعمل فيها " كتب " كأنه قال: كتب ربكم على نفسه أنه من عمل؛ وأما " فأنه غفور " بالفتح ففيه وجهان؛ أحدهما - أن يكون في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر، كأنه قال: فله أنه غفور رحيم؛ لأن ما بعد الفاء مبتدأ، أي فله غفران الله. الوجه الثاني -


(١) رواه مسلم: فضائل الصحابة - من فضائل سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم (٢٤٠٥)، وأحمد: أول مسند البصريين - حديث عائذ بن عمرو رضي الله عنه (٢٠١١٧).
(٢) (أنه. . فأنه) بفتحهما (أي بفتح الهمزة في الموضعين): ابن عامر، وعامر ويعقوب. ووافقهم نافع وأبو جعفر في الأول، وقرأ الباقون بالكسر فيهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>