للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البهائم جوارح، لأنها تجرح، وتكسب قُوتها بجراحتها، وسميت الأعضاء العاملة في جسم الإنسان جوارح، لأنها هي التي تكسب، وهي التي تجرح، والمراد - والله تعالى أعلم - أن الله تعالى يعلم ما جرح الناس بالنهار، فيعلم خفايا نياتهم في أعمالهم، ويعلم ما يكسبون من خير وشر، ويعلم ما يخفون وما يبدون، وفي ذلك إنذار وتبشير فهو إنذار لمن يكتسبون الشر، وتبشير لمن يكسبون الخير، وأحسب أن استعمال (جَرَحْتم) الذوق البياني يجعلها أقرب إلى استعمال الشر، ولكن الأولى هو التعميم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالمراد.

وقوله تعالى: (ثُمَّ يَيْعَثُكُمْ فِيهِ) الضمير يعود إلى النهار، ويكون الكلام متصلا بالتوفي بالليل، فالسياق يتوفاكم بالليل، ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم في النهار بعد الليل، ولذلك قال الشوكاني في تفسيره: إن الضمير يعود إلى الليل، لابتداء النهار والمؤدى واحد، وإن كان ثمة اختلاف في توجيه السياق والإعراب، وكان التعبير بـ " ثم " لتفاوت ما بين مظهر الليل ومظهر النهار، والتفاوت ما بين أعمال النهار وأعمال الليل.

إن تداول الليل والنهار مستمر، فليل يعقبه نهار، ونهار يعقبه ليل لنهاية واحدة، وهو قضاء أجل مسمًّى عند الله تعالى، وإن كان لَا يعلمه إلا الله تعالى لأنه سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤).

(لِيُقْضَى أَجَلٌ مسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ). إنه بعد أن يقضى الأجل المسمى، يكون المرجع إلى الله وحده، فلا سلطان لغيره، ولا يرجع إلى أحد سواه، ودل على هذا القصر تقديم الجار والمجرور، فإنه دل على القصر، والتعبير بـ " ثم "، لأن هناك تفاوتا زمنيا، بمقتضى الأجل المسمى الذي يطول ويقصر، ولتفاوت ما بين ما يكون في الحياة الدنيا من لهو وعبث وتفاخر، وتقوى أحيانا، ثم قال

<<  <  ج: ص:  >  >>