للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقرون بذلك إذ تدعونه تضرعا وخفية، فلا تلجأون لغيره ولا تجدون منجاة إلا من عنده، والظلمة هنا الشدة، فهي مجاز، شبهت فيه الشدة والكرب بالظلمة؛ لأن النفس فيها تتحير، ولده فتبلس، فتكون كأنها لَا ترى ولا تعرف وجه الخروج؛ ولذلك يقال لليوم الشديد الذي يملؤه الكرب: يوم مظلم، ويقولون: نهار ذو كواكب، أي أنه لشدته يكون كأنه ليل ترى فيه الكواكب، وفي شدائد البر والبحر تكون غمة حقيقية، فقد يكون غيم شديد، لَا رؤية فيه، أو ريح عاصف وإعصار، وقد يكون الخسف الذي يلقي في ظلمات الأرض، وقد يكون اصطخاب الأمواج بالأذى، وهكذا فتجتمع ظلمة الشدة، والظلمة الحقيقية وقد تكون الشدة حيرة، يضلون فيها الطريق فتبتلعهم الصحراء، أو تكون إذا ركبوا البحر، فضلت فيه المحجة (١)، أو ألقتهم الريح لَا يهتدون ولا يجدون النجاة، فكل هذه ظلمات متكاثفة.

وإن حالهم أنهم لَا يلجأون إلا إليه ولذا قال سبحانه عنهم: (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) أي أنكم في حال الشدة، تتجهون إليه سبحانه وتعالى بقلوبكم ونفوسكم، ولا تجدون ملجأ منه إلا إليه، ويظهر ذلك الالتجاء القلبي ضراعة وتذللا يجري على ألسنتكم ولا تجدون سبيلا للامتناع عن الجهر بالضراعة والتذلل لله تعالى، وتسليم الوجه له، فالتضرع دعاء الله تعالى مستسلمين له جهرا، والخفية خنوع النفس، واتجاهها قلبيا إليه سبحانه، وقد صور الله تعالى ضراعتهم، بقوله: (لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).

هذا قسم يقسمونه، ويؤكدون به ما هم عليه من الالتجاء إلى الله؛ ولذلك كان التوكيد بالنون الثقيلة وباللام، وموقع هذه الجملة مما قبلها أنها تفسير للضراعة التي جهروا بها أو هي تفسير بمعنى (تدعون) فهم يدعون الله تعالى، بمعنى أنهم في سريرة أنفسهم وضراعة قولهم، يقسمون بأن الله تعالى إن أنجاهم من هذه الكروب الكاربة، والشدائد الشديدة، ليشكرونه حق شكره، وشكر الله تعالى


(١) المَحَجَّةُ: الطريق.

<<  <  ج: ص:  >  >>