الشمس، أي دنت للمغيب، ويستفاد من هذا أن الكرب غمة شديدة تصيب الإنسان من أمر نفسي يثير النفس، ويجعلها في قلق وحيرة واضطراب نفسي، ويقيم عليها، كمرض عزيز أو موته، أو ضرر أو فقد مال أو خسارة في تجارة، فالله تعالى هو المنجي منه، وبهذا تبين أن الله تعالى هو الذي ينجي خلقه من كل شيء، فهو القائم على كل شيء، ومع هذا الخير العميم، ومع استجابة الله تعالى لضراعتهم، والتجائهم إليه، وإنجائه لهم بالفعل بعد أقسموا إن نجاهم يشكرونه أي يعبدونه وحده؛ لأنه الذي أنجاهم، وخلصهم مما هم فيه، مع هذا بمجرد أن يعودوا إلى الاطمئنان والاستقرار يشركون، ويحنثون في أيمانهم، ويعودون إلى ما كانوا عليه، بل إنهم يستمرون في غيهم يعمهون، وإنه كما قال بعض المفسرين: الأصل في السياق أن تكون حالهم حال من لَا يشرك، فكان مقتضى الضراعة أن ينفي الله شركهم بعد قسمهم على الشكر والعبادة، ولكن عاد إليهم جحودهم؛ ولذا قال سبحانه:(ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) أي أن إذعانهم العارض لم يكن ساكنا في نفوسهم، بل هو أمر عارض، بسبب يزول بزوانه، ولم يكن إذعان الذين خلصوا بنفوسهم، ويلاحظ بعد إشارات بيانية:
أولها - التعبير بـ " ثم " ففيه إشارة إلى التفاوت الكبير بين حال ضراعتهم، وحال كفرهم، أو بعبارة أدق استمرار حالهم.
الثانية - أنه سبحانه عبر بالجملة الاسمية، وذلك تأكيد لشركهم الذي كان نقيض شكرهم الذي وعدوا به ونكثوا في وعدهم.
الثالثة - أنه عبر بالفعل المضارع الذي يصور حالهم ويدل على استمرارهم.
وبعد أن بين سبحانه وتعالى كمال سلطانه في النعم يمنحها ليرغبوا في الإيمان والإذعان، ذكر سبحانه قوته في القهر والعذاب.