للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: (مِن دُونِ اللَّهِ) أي من غيره، والتعبير بقوله " من دون " إشارة إلى أنه مهما يكن في نظرهم فهو دون الله، والله هو العلي المسيطر على كل شيء.

وقد بين بعد ذلك هذا العقاب الذي لَا مناص منه، ولا منجاة ولا خلاص، فقال تعالت قدرته: (وأُوْلَئكَ الَّذينَ أُبْسلُوا بمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ منْ حَميمٍ وَعَذَابٌ أَليمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ).

والإشارة إلى الذين يخوضون في آيات الله تعالى، الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، وكانوا يسخرون من الذين آمنوا وهم يذكرون بالدين الذي بعث به رسوله إليهم، وقد كانوا بفعلهم هذا (أُبْسِلُوا) أي أسلموا أنفسهم للهلاك والبوار، وأتوا إلى النار، ذلك بما كسبوا من عبث وكفر، وعتو، واستهانة، وعبر سبحانه بقوله: (بِمَا كَسَبُوا) للإشارة إلى أنهم قد فعلوا ذلك يريدون الكسب، فكان ذلك العذاب، فهم اشتروا العذاب والضلالة بالهدى، وهذا العذاب شديد يحيط بكل أجسامهم، النار في بطونهم وفي جلودهم، لهم شراب من حميم أي ماء يغلي يدخل بطونهم، فيمزق أمعاءهم، وهو نار في جوفهم، ونار تكوى جلودهم (. . . كُلَّمَا نضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ. . .). ولهم بذلك عذاب أليم وذلك العذاب بما كانوا يكفرون أي بسبب كفرهم المستمر الذي كان يتجدد، فكانوا يحدثون كل وقت من مظاهر ما أوجب استحقاقهم لهذا الألم؛ فمرة يسخرون من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه، ومرة يؤذون المستضعفين من المؤمنين، ومرة يقطعون عنهم الميرة (١)، ويقاطعونهم وأهلهم، ومرة يؤذون النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخرى يخوضون في آيات الله تعالى، ويتخذون الدين الذي بعث به رسول منهم لعبا ولهوا، فهو كفر مستمر متعدد الوجوه أساسه الجحود، والآيات قائمة.


(١) المِيرَةُ، بالكسر: جَلَبُ الطعام. القاموس المحيط (مير).

<<  <  ج: ص:  >  >>