(وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ) أي إنني لم يستول عليّ الوهم كاستيلائه عليكم، فأخاف مما تشركون عبادته مع الله تعالى، فأنا أعلم أنها لَا تضر ولا تنفع، وهي أحجار صماء، تنقل من مكان إلى مكان فكيف أخاف منها، كيف أخاف من حجر لَا يسمع ولا يبصر، تصنعونها بأيديكم وتعبدونها بأوهامكم.
وقد كان إبراهيم حريصا في إجابته، ويخشى أن يصيبه قدر، فيتوهمون أن ذلك من سر آلهتهم، فقطع عليهم - عليه السلام - أسباب ذلك، وقال مطمئنا إلى قضاء الله تعالى:(إِلَّا أَن يشَاءَ رَبِّى شَيْئًا) هذا استثناء يدل على أمرين: أولهما - تفويضه لله تعالى في كل أموره، وأنه راض بما يقدره الله تعالى له، يتقبل ما يأتي به، وأنه وحده الذي يفعل ما يشاء.
ثانيهما - الرد عليهم في أن أصنامهم تستطيع أن تفعل شيئا، إنما الأمر كله لله وحده، هو الذي يصيب بالضرر إن شاء وهو الذي ينزل الخير من سحائب رضوانه إن شاء.
وأنه قادر على ذلك، وهو القادر وحده، وهو العليم بكل شيء يضع الأمور في مواضعها، لَا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وكل شيء على مقتضى علمه بما كان، وما سيكون، ولذا قال تعالى:(وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) وهو تمييز محول، ومعناه: وسمع علم ربي كل شيء، وفي تأخير التمييز إيهام مؤقت للتشويق، وبذلك يثبت في النفوس علم الله تعالى فضل ثبوت.
وذكره لله تعالى بوصف " ربي " للدلالة على أنه يستشعر معنى الربوبية دائما، فهو الذي رباه، وهو الذي يحميه ويحفظه من كل ضر وسوء، إلا أن يكون ذلك من حكمة أرادها، وهو العليم الخبير.
ثم قال تعالى:(أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) الهمزة للاستفهام، والفاء للإفصاح، والمعنى إذا كان الأمر كله بيد الله تعالى وأن أحجاركم لَا تنفع ولا تضر، أفلا