للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإشارة إلى ما كانوا عليه من صفات الصبر والشكر والزهد والصدق والتوحيد، ومجالدة المنكر، والصبر على أذى المعاندين، فالإشارة إلى أشخاصهم المتصفين بهذه الصفات العليا، وهي أساس هداية الله، وأسند سبحانه وتعالى الهدى إليه تشريفا لمعناها، وبيان أنه اختارها، واختيار الله تعالى يوجب اتباعها، والسير في طريقها، ولذا قال سبحانه وتعالى: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) الهاء هي هاء السكت تكون عند الوقف على المحذوف حرف العلة منه بالجزم تعويضا لذلك المحذوف، وينطق عند الوقف، وقال بعضهم لَا ينطق بها إذا لم يقف، ولكن الحق أنه ينطق بها في الأحوال كلها؛ لأنها مكتوبة في المصحف الإمام، ولا يوجد في هذا المصحف ما لَا ينطق به.

والاقتداء الموافقة في سلوك الطريق الذي سلكوه، والهدى الذي اتبعوه، والمنهج الذي نهجوه، و (الفاء) هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها، لأنه إذا كان ذلك الهدى من الله فإنه يجب اتباعه، والاقتداء بهم فيه وتقديم (بهداهم) على (اقتده) للاختصاص، ومؤداه الاقتداء بهذا الهدى دون غيره، إذ إن الهدى هدى الله فلا هداية إلا هدى الله.

(هُداهم) كما أشرنا التوحيد، وألا تشركوا بالله شيئا، وما جاءوا به من شرائع أبدية لَا تتغير بتغير الأزمان، وبما اتصفوا به من صفات الصبر، والشكر والروحانية، والزهد، والصدق والأخلاق الكريمة، وإن الاقتداء يوجب الدعوة إلى هذا الهدى.

وإن هذا الكلام السامي يفيد أن الأنبياء الذين تختلف مراتبهم، وخواصهم، وصفاتهم كما قال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ. . .).

قد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء بهم جميعا في صفاتهم كلها مجتمعة، فهو يكون بهذا الاقتداء جامعا لكل ما عندهم منهم؛ لأنه خاتم الأنبياء، ولأنه مخاطب للأجيال كلها، وأرسل للناس كافة بشيرا ونذيرا، فكان هو وشريعته صالحين لكل

<<  <  ج: ص:  >  >>