أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) والنعمة الثانية أنه أخرج الله تعالى به نبات كل شيء أي كل صنف من أصناف النبات من قمح، وشعير، وذرة، وأرز، وسمسم، وغير ذلك من أنواع الحبوب والبقول، وغيرها وهو منوع مختلف وإن اتحدت الأرض واتحد السقي؛ ولذا قال تعالى في آية أخرى:(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ. . .).
ولقد فصل الله تعالى أدوار الإنبات فقال:(فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا)، أي يخرج الله تعالى خضرا، أي أخضر، غضا طريا ذا شعب، ومن هذا الأخضر الغض يخرج بعظيم قدرته حبا جامدا متراكبا أي يركب بعضه بعضا في نظام رتيب متسق بقدرته تعالى كالسنبلة في القمح والأرز، والكوز في الذرة، وغيرها من الأنواع المختلفة، كيف تبدأ خضرا مزهرة فإذا نضجت وصارت حطاما أو قريبا من ذلك أتت بنبات نافع يكون مطعوما يغذي الأبدان، وهنا نجد عجيب قدرة الله تعالى فلقت الحبة الصلبة، وجعلت منها عودا أخضر غضا، ثم جعلت من هذا العود الأخضر وقد صار ثمارا حوى حبا متراكبا صلبا.
وقد ابتدأ سبحانه وتعالى بذكر النبات؛ لأنه يكون منه الغذاء والكساء من العرى، كالقطن، والكتان، والتيل، وغيرها مما يكون اللباس والكساء للناس. وبعد ذلك بين سبحانه الثمرات التي تكون من النوى، وابتدأ منها بالنخيل؛ لأنه يجيء منه التمر، وهو إن كان فاكهة هو أيضا غذاء، وقد كان غذاء عند العرب يشبه أن يكون رئيسيا.
فقال تعالى:(وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ) طلع النخل هو أول ما يبدو من ثمر النخل فيبدو ليه شق، فإذا شق كان العزق، وهذا العزق هو القنوان، وهو الذي بعد التمر يكون عرجونا، وتكون الشماريخ.
وفي هذا بيان نعم الله تعالى في التمر، وهو عطف على الكلام السابق جملة على جملة، ولم يقل سبحانه وتعالى، وأخرجنا النخل، وإن كان قد