للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد قال ابن عباس: إن موضوع الآية الزنادقة، وقد رجح فخر الدين الرازي ذلك الرأي، ولنترك الكلمة له، فقد قال: (هذا مذهب المجوس، وإنما قال ابن عباس هذا قول الزنادقة لأن المجوس يلقبون بالزنادقة، لأن الكتاب الذي زعم زرادشت أنه نزل عليه من عند الله سمى بالزند والمنسوب إليه يسمى زندي، ثم عرب فقيل زنديق، ثم جمع فقيل زنادقة، واعلم أن المجوس قالوا: كل ما في هذا العالم من الخيرات، فهو من يزدان، وكل ما فيه من الشرور فهو من أهرمن، وأهرمن، هو إبليس بلغة القرآن، والقرآن قال إنه من الجن، فمن قال بهذا المذهب، فهو يعقبر إبليس وذريته من الجن شركاء لله تعالى في معنى الألوهية، وبذلك تتحقق شركة الجن).

وفى الحق: إن الآية تشمل بعمومها عباد الأوثان والزنادقة، لأن كليهما عبدا الشيطان، وإبراهيم - عليه السلام - عندما نهى أباه عن عبادة الأوثان قال له: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤). وعلى ذلك يكون المشركون والمجوس قد أشركوا الجن في عبادة الله تعالى، سواء أكان ذلك بأن سولوا لهم عبادة الأحجار، فتكون عبادة الأحجار عبادة للجن، أم عبدوا الجن مباشرة كالثنوية.

ولقد قال تعالى بعد أن ذكر هذه الشركة الوثنية قال تعالى: (وَخَلَقَهُمْ) أي أن الله تعالى خلقهم، فهم مخلوقون، حادثون ولا يصلحون أن يكونوا معبودين، لأن المعبود بحق هو القديم الذي لَا أول له، والباقي الذي لَا آخر له، ولأنه ليس من العقل في شيء أن يشترك الخالق مع المخلوق.

ثم ذكرِ سبحانه وتعالى افتراءات المشركين ومن لف لفهم، فقال تعالى:

(وَخَرَقُوا لَهُ بنِينَ وَبَنَات بِغَيْرِ عِلْمٍ) وخرقوا معناها اختلقوا القول، وافتعلوا، كان الرجل إذا كذب في النادي، قالوا خرق ورب الكعبة أي اختلق، فالمعنى: اختلقوا أن يكون لله بنون أو بنات، ومن الناس من قال الملائكة بنات الله، وقد تردد ذلك على ألسنة المشركين وعلى ألسنة اليهود.

<<  <  ج: ص:  >  >>