للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مثقال ذرة في السماء والأرض، يعرف ما تراه الأعين، وما تدركه، وما تؤدى النظرة من تأملات نفسية، فهو العليم بخواطر النفوس وخلجات الأفئدة، وهو اللطيف الذي يعلم أدق علم، الخبير الذي يعلم دقائق كل شيء.

وقد تكلم العلماء في هذا المقام في رؤية الله في الآخرة وفي الدنيا، فقال الأكثرون: إن الله تعالى يرى يوم القيامة بكيفية لَا نعرفها، يراه الأبرار وقد أخذوا ذلك من ظاهر قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)، وإن ذلك من جزِاء المتقين، ولا يراه المجرمون أخذا من ظاهر قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ). ومن ظاهر قوله تعالى: (. . . وَلا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكيهِمْ. . .).

وأما في الدنيا، فإن الله لَا يُرى فيها؛ لأن الرؤية تقتضي التحيز في مكان، والله تعالى منزه عن ذلك، وقد طلب موسى - عليه السلام - رؤية ربه فقال: (. . . قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ. . .). فدلت هذه الآية على أن الرؤية في الدنيا غير ممكنة. وهنا يثار سؤال هل رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ربَّه في المعراج؟ بعض العلماء زعم أنه رآه، ولا يوجد نص قاطع يدل على ذلك، ولكن وردت آثار كثيرة، تدل على نفيه، فقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت ربك؟ قال: " إنه نور، فأنَّى أراه " (١).

وروى مسلم في صحيحه بسنده إلى مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها قال: كنت متكئا عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة (كنية مسروق) ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية - وكنت متكئا، فجلست - فقلت: يا


(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان، والترمذي في تفسير سورة ٥٣ (النجم) وأحمد بن حنبل، ج ٥ ص ١٥٧، ص ١٧١، ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>