واتباع ما أوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون باتباع ما يدعو إليه من وحدانية الله تعالى التي هي ملاك الأمر كله واتباع أوامره ونواهيه، والإيمان بأنه يحل الطيبات، ويحرم الخبائث، وأن ما أحله تعالى فيه الخير والنفع العام والمصلحة في الدنيا والآخرة، وما يحرمه هو الفساد، ويؤدي إلى الهوان في الدنيا والآخرة. وقرن الله تعالى الأمر باتباع ما أوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله:(وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) ومعنى الإعراض عنهم ليس هو السكوت عن دعوة الحق بينهم والإصرار عليها، فإن قوله تعالى:(فَاصْدَعْ بِمَا تُومَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكينَ)، وإنما معنى الإعراض أن يعرض عن سخريتهم بالضعفاء من المؤمنين، والجحود الذي يدأبون عليه وادعاء الأباطيل عليه من أنه علمه بشر، أو أنه دارسه مع أحد، ويعرض عن إلحاحهم في النكران، يعرض عن كل هذا ويمضي في دعوته، ولا يهمه لغو اللاغين وعبث العابثين وخوض الخائضين الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، يعرض عن هؤلاء المشركين الذين اندفعوا في ذلك بسبب شركهم.
وإن ذلك الإعراض عنهم؛ لأنك دعوتهم وتدعوهم، ولست مسئولا عن إيمانهم، ولا معاقبا على كفرهم (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)، وإن إشراكهم بتقدير الله تعالى وبعلمه، وإنهم ساروا في طريقهم إلى الشرك، وسهلوا سبيلهم إليه، ولو شاء سبحانه ما مكنهم من الشرك، ولكن لأن الله تعالى خلق الإنسان، وأعطاه قدرة يرى بها الخير والشر كما قال تعالى:(وَنَبْلُوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)، لهذا الاختيار الذي ركبه الله تعالى في نفوسهم من خروج على سلطانه تركهم في غيهم يعمهون، لأنهم سلكوا طريقا واختاروه.